معيار الكمال الذاتي هو أن كل ما يمكن بالإمكان العام للوجود بما هو وجود يجب إثباته للواجب تعالى، كما هو المبرهن في محله، والإرادة هي من صفات الكمال للوجود بما هو وجود، من غير تخصص بشئ، هذا أولا.
وللزوم التركيب في ذاته المقدسة ثانيا، لما سبق في برهان عينية الصفات مع الذات المتعالية من أنه لو فرض كونه تعالى فاقدا لمرتبة من كمال الوجود بما هو وجود يتحقق عندئذ في ذاته جهة إمكانية، فيتركب ذاته تعالى من حيثيتي الوجود والعدم، وهو شر التراكيب - كما قيل - وأيضا يلزم تصور ما هو أكمل منه تبارك وتعالى.
هذا البيان إجمال ما رامه الإمام (قدس سره) من إقامة البرهان على إثبات الإرادة الذاتية، ردا على الكليني (رحمه الله) ومن يحذو حذوه، اغترارا بظواهر الأحاديث من غير إمعان النظر في مرماها.
قال سيد أعاظم أهل الغور والإمعان (قدس سره) في " القبسات " في تفسير تلك الأحاديث المروية في " الكافي " و " التوحيد " و " العيون " في باب حدوث المشية والإرادة وأنها من صفات الفعل لا من صفات الذات: إن الإرادة قد تطلق ويرام بها الفعل المصدري - بالفتح - أعني الإحداث والإيجاد، أو الفعل الحاصل بالمصدر - بالكسر - أعني نفس المعلول الحادث المتجدد.
وإنه كما لعلمه سبحانه بالأشياء مراتب، وأخير مراتبه وجود الموجودات وصدورها عنه سبحانه منكشفة غير محتجبة، على معنى أن وجودها وفيضانها عنه منكشفة غير عازبة ولا محتجبة عنه، هو بعينه معلوميتها له لا عالميته بها.
فكذلك لإرادته - جل سلطانه - مراتب، وأخيرة مراتب الإرادة هي بعينها ذوات الموجودات، وإنما هي عين الإرادة، بمعنى مراديتها له، لا بمعنى مريديته لها.
ثم المرادية أيضا بمعنى صدورها عنه بالفعل مرضيا بها، لا بمعنى كونها مرضيا بها عنده، فإن ما به فعلية الرضا - هذه هو الإرادة الذاتية هي نفس ذاته سبحانه كما سيجئ