طائفة بعض المقدمات:
فالحنابلة ذهبوا إلى أن كلامه تعالى حروف وأصوات وهي قديمة، ومنعوا أن كل ما هو مؤلف من حروف وأصوات مرتبة فهو حادث، بل قال بعضهم بقدم الجلد والغلاف!
والأشاعرة قالوا: كلامه تعالى معنى واحد بسيط قائم بذاته قديم، فهم منعوا أن كلامه تعالى مؤلف من الحروف والأصوات.
وفي " شرح العقائد العضدية " للمحقق جلال الدواني مع التعليقات للعلامة المتحمس للحق، الشيخ محمد عبده: لا نزاع بين الشيخ - الأشعري - والمعتزلة في حدوث الكلام اللفظي، وإنما نزاعهم في إثبات الكلام النفسي وعدمه.
وذهب المصنف إلى أن مذهب الشيخ أن الألفاظ أيضا قديمة، وأفرد في ذلك مقالة وذكر فيها: أن لفظ " المعنى " يطلق تارة على مدلول اللفظ، وأخرى على القائم بالغير.
والشيخ لما قال: " الكلام هو المعنى النفسي " فهم الأصحاب منه أن مراده به مدلول اللفظ، وهو القديم عنده. وأما العبارات فإنما تسمى كلاما مجازا لدلالتها على ما هو الكلام الحقيقي، حتى صرحوا بأن الألفاظ حادثة على مذهبه، ولكنها ليست كلاما له تعالى حقيقة.
قال عبده: ليس النزاع في الكلام اللفظي فإنه حادث باتفاق، وإنما النزاع في إثبات الكلام النفسي، والشيخ لم يثبت الكلام النفسي إلا لترويج ظواهر النصوص الدالة على أن القرآن كلام الله غير مخلوق وما يشبه ذلك.
وهذه إنما تدل على قدم الكلام اللفظي، وإن كان لفظ الكلام حقيقة فيه فقط، وعلى قدم اللفظي والنفسي معا إن كان حقيقة فيهما، فإن خصه بالنفسي فذلك تأويل أو ترجيح لأحد معنيي المشترك بدون موجب. مع أن له لوازم كثيرة فاسدة، كعدم تكفير من أنكر كلامية ما بين دفتي المصحف، وعدم المعارضة والتحدي بما هو كلام الله حقيقة، وعدم كون المقروء المحفوظ كلام الله تعالى، إلى غير ذلك مما لا يخفى فساده.