[الأمر الأول: حول قاعدة " الذاتي لا يعلل "] إن الذاتي الذي يقال إنه لا يعلل هو ما اصطلح عليه في باب البرهان، وهو أعم من الذاتي في باب الإيساغوجي، لشموله أجزاء الماهية ولوازمها، ويقابله العرضي في باب البرهان، وهو أخص من العرضي في باب الإيساغوجي، لاختصاصه بالمفارقات (1).
والسر في تعليل العرضي دون الذاتي: أن مناط الافتقار إلى العلة هو الإمكان كما أن مناط الغناء عنها هو الوجوب، فأي محمول يلاحظ ويقاس إلى موضوعه لا يخلو من إحدى الجهات الثلاث: الإمكان والوجوب والامتناع.
فإن كان نسبته إليه بالإمكان ففي اتصافه به يحتاج إلى العلة، لأن ما يمكن أن يتصف بشئ وأن لا يتصف لا يمكن أن يتصف به بلا علة، للزوم الترجيح بلا مرجح، وهو محال لرجوعه إلى اجتماع النقيضين.
فالإنسان لما كان ممكن الوجود واجب الحيوانية ممتنع الحجرية، يكون في وجوده مفتقرا إلى العلة دون حيوانيته وعدم كونه حجرا، لتحقق مناط الافتقار في الأول ومناط الاستغناء عن العلة في الأخيرين إن أرجعنا الامتناع إلى الوجوب، وإلا فالامتناع أيضا مناط عدم المجعولية بذاته.
والأربعة ممكنة الوجود واجبة الزوجية واللا فردية ممتنعة الفردية، فتعلل في الأول دون الآخرين. والجسم ممكن الوجود والأبيضية والأسودية، فيعلل فيها وهكذا.
ثم إن عدم تعليل الممكن في ذاته ولوازمها لا يخرجه عن الإمكان، لأن الماهية ولوازمها اعتبارية لا حقيقة لها فهي بلوازمها دون الجعل ولا يمكن