ثم إنه مما ذكرنا ظهر الحال في المقام الثاني، حيث أنه بعد ما وجب تحصيل المعرفة بالواجب تعالى وبوسائط نعمه يجب بحكم العقل الاعتقاد وعقد القلب والانقياد له سبحانه، لكون مثله أيضا من مراتب أداء شكره الواجب عليه. بل الظاهر أن وجوب ذلك أيضا كوجوب أصل المعرفة مطلق غير مشروط بحصول العلم من الخارج، فيجب عليه حينئذ تحصيل العلم مقدمة للإنقياد الواجب.
هذا كله بالنسبة إلى أصل وجوب المعرفة، وأما المقدار الواجب منها فإنما هو المعرفة بالمبدأ جل شأنه وبوحدانيته وبما يرجع إليه من صفات الجمال والجلال، وكذا معرفة أنبيائه ورسله وحججه الذين هم وسائط نعمه وفيضه، وكذلك الحشر والنشر ولو بنحو الإجمال.
وأما ما عدا ذلك كتفاصيل التوحيد وكيفية علمه وإرادته سبحانه، وتفاصيل المحشر وخصوصياته، وأن الميزان والصراط بأي كيفية، ونحو ذلك فلا يجب تحصيل العلم ولا الاعتقاد بها بتلك الخصوصيات.
نعم في فرض حصول العلم بها من الخارج يجب الاعتقاد وعقد القلب بها.
فوجوب الاعتقاد بخصوصيات الأمور المزبورة إنما كان مشروطا بحصول العلم بها من باب الاتفاق، ولولا أن وجوبها مطلق حتى يجب تحصيل العلم بها من باب المقدمة.
نعم الواجب على المكلف هو الاعتقاد الإجمالي بما هو الواقع ونفس الأمر فيعتقد وينقاد بتلك الأمور على ما هي عليها في الواقع ونفس الأمر.
ومن هذا البيان ظهر الحال في المقام الثالث أيضا، فإن مقتضى الأصل فيما عدا المقدار المزبور هو عدم وجوب تحصيل المعرفة زائدا على المقدار الذي يستقل العقل بوجوب تحصيله، إلا ما ثبت من الخارج وجوب الاعتقاد به من ضرورة ونحوه كالمعاد الجسماني.
وأما الاستدلال على وجوب المعرفة بتفاصيل الأمور المزبورة بما ورد من الأدلة النقلية كتابا وسنة كقوله سبحانه: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، وعموم آية