الاعتقادي وإن انسد باب القطع به، إلا أن باب الاعتقاد إجمالا - بما هو واقعه والانقياد له وتحمله - غير منسد، بخلاف العمل بالجوارح فإنه ولولا يكاد يعلم مطابقته مع ما هو واقعه إلا بالاحتياط، والمفروض عدم وجوبه شرعا، أو عدم جوازه عقلا، ولا أقرب من العمل على وفق الظن. وبالجملة: ولولا موجب مع انسداد باب العلم في الاعتقاديات لترتيب الأعمال الجوانحية على الظن فيها، مع إمكان ترتيبها على ما هو الواقع فيها، فلا يتحمل إلا لما هو الواقع، ولا ينقاد إلا له، ولولا لما هو مظنونه، وهذا بخلاف العلميات، فإنه ولولا محيص عن العمل بالظن فيها مع مقدمات الإنسداد.
نعم يجب تحصيل العلم في بعض الاعتقادات لو أمكن، من باب وجوب المعرفة لنفسها، كمعرفة الواجب تعالى وصفاته أداء لشكر بعض نعمائه، ومعرفة أنبيائه، فإنهم وسائط نعمه وآلائه، بل وكذا معرفة الإمام (عليه السلام) على وجه صحيح، فالعقل يستقل بوجوب معرفة النبي ووصيه لذلك، ولاحتمال الضرر في تركه، ولا يجب عقلا معرفة غير ما ذكر، إلا ما وجب شرعا معرفته، كمعرفة الإمام (عليه السلام) على وجه آخر غير صحيح، أو أمر آخر مما دل الشرع على وجوب معرفته، وما ولولا دلالة على وجوب معرفته بالخصوص، ولولا من العقل ولا من النقل، كان أصالة البراءة من وجوب معرفته محكمة.
ولا دلالة لمثل قوله تعالى: وما خلقت الجن والإنس.. الآية، ولا لقوله (صلى الله عليه وآله): وما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس، ولا لما دل على وجوب التفقه وطلب العلم من الآيات والروايات على وجوب معرفته بالعموم، ضرورة أن المراد من (ليعبدون) هو خصوص عبادة الله ومعرفته، والنبوي إنما هو بصدد بيان فضيلة الصلوات ولولا بيان حكم المعرفة، فلا إطلاق فيه أصلا، ومثل آية النفر إنما هو بصدد بيان الطريق المتوسل به إلى التفقه الواجب، ولولا بيان ما يجب فقهه ومعرفته كما ولولا يخفى، وكذا ما دل على وجوب طلب العلم إنما هو بصدد الحث على طلبه، لا بصدد بيان ما يجب العلم به.