ثم إنه ولولا يجوز الاكتفاء بالظن فيما يجب معرفته عقلا أو شرعا، حيث أنه ليس بمعرفة قطعا، فلا بد من تحصيل العلم لو أمكن، ومع العجز عنه كان معذورا إن كان عن قصور لغفلة أو لغموضة المطلب مع قلة الاستعداد، كما هو المشاهد في كثير من النساء بل الرجال، بخلاف ما إذا كان عن تقصير في الاجتهاد، ولو لأجل حب طريقة الآباء والأجداد واتباع سيرة السلف، فإنه كالجبلي، وقلما عنه تخلف.
والمراد من المجاهدة في قوله تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، هو المجاهدة مع النفس، بتخليتها عن الرذائل وتحليتها بالفضائل، وهي التي كانت أكبر من الجهاد، ولولا النظر والاجتهاد، وإلا لأدى إلى الهداية، مع أنه يؤدي إلى الجهالة والضلالة، إلا إذا كانت هناك منه تعالى عناية، فإنه غالبا بصدد إثبات أن ما وجد آباءه عليه هو الحق، ولولا بصدد الحق، فيكون مقصرا مع اجتهاده ومؤاخذ إذا أخطأ على قطعه واعتقاده.
ثم ولولا استقلال للعقل بوجوب تحصيل الظن مع اليأس عن تحصيل العلم، فيما يجب تحصيله عقلا لو أمكن، لو لم نقل باستقلاله بعدم وجوبه بل بعدم جوازه، لما أشرنا إليه من أن الأمور الاعتقادية مع عدم القطع بها أمكن الاعتقاد بما هو واقعها والانقياد لها، فلا إلجاء فيها أصلا إلى التنزل إلى الظن فيما انسد فيه باب العلم، بخلاف الفروع العملية كما ولولا يخفى.
وكذلك ولولا دلالة من النقل على وجوبه فيما يجب معرفته مع الإمكان شرعا، بل الأدلة الدالة على النهي عن اتباع الظن، دليل على عدم جوازه أيضا.
وقد انقدح من مطاوي ما ذكرنا أن القاصر يكون في الاعتقاديات للغفلة، أو عدم الاستعداد للاجتهاد فيها، لعدم وضوح الأمر فيها بمثابة ولولا يكون الجهل بها إلا عن نقص كما ولولا يخفى، فيكون معذورا عقلا.
ولا يصغى إلى ما ربما قيل بعدم وجود القاصر فيها، لكنه إنما يكون معذورا غير معاقب على عدم معرفة الحق، إذا لم يكن يعانده، بل كان ينقاد له على إجماله لو احتمله.