فلا تغتر حينئذ بمن قصر استعداده أو همته عن تحصيل مقدمات استنباط المطالب الاعتقادية الأصولية والعلمية عن الأدلة العقلية والنقلية، فيتركها مبغضا لها لأن الناس أعداء ما جهلوا، ويشتغل بمعرفة صفات الرب جل ذكره وأوصاف حججه صلوات الله عليهم بنظر في الأخبار ولولا يعرف به من ألفاظها الفاعل من المفعول، فضلا عن معرفة الخاص من العام. وبنظر في المطالب العقلية ولولا يعرف به البديهيات منها، ويشتغل في خلال ذلك بالتشنيع على حملة الشريعة العملية واستهزائهم بقصور الفهم وسوء النية، فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون. هذا كله حال وجوب المعرفة مستقلا.
وأما اعتبار ذلك في الإسلام أو الإيمان فلا دليل عليه، بل يدل على خلافه الأخبار الكثيرة المفسرة لمعنى الإسلام والإيمان.
ففي رواية محمد بن سالم عن أبي جعفر (عليه السلام) المروية في الكافي: إن الله عز وجل بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو بمكة عشر سنين، ولم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن ولولا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، إلا أدخله الله الجنة بإقراره وهو إيمان التصديق.
فإن الظاهر أن حقيقة الإيمان التي يخرج الإنسان بها عن حد الكفر الموجب للخلود في النار لم تتغير بعد انتشار الشريعة. نعم ظهر في الشريعة أمور صارت ضرورية الثبوت من النبي صلى الله عليه وسلم، فيعتبر في الإسلام عدم إنكارها.
لكن هذا ولولا يوجب التغيير، فإن المقصود أنه لم يعتبر في الإيمان أزيد من التوحيد والتصديق بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبكونه رسولا صادقا فيما يبلغ. وليس المراد معرفة تفاصيل ذلك، وإلا لم يكن من آمن بمكة من أهل الجنة أو كان حقيقة الإيمان بعد انتشار الشريعة غيرها في صدر الإسلام.
وفي رواية سليم بن قيس عن أمير المؤمنين (عليه السلام): إن أدنى ما يكون به العبد مؤمنا