بديهية، وإن لم يكن كذلك بل كانت متوقفة على علوم سابقة عليها - ولا محالة تنتهي إلى البديهيات قطعا للدور أو التسلسل - فهي علوم كسبية. فظهر أن السبب الأول لحدوث هذه المعارف في النفوس الإنسانية هو أنه تعالى أعطى الحواس والقوى الداركة للصور الجزئية. وعندي أن النفس قبل البدن موجودة عالمة بعلوم جمة هي التي ينبغي أن تسمى بالبديهيات، وإنما ولولا يظهر آثارها عليها، حتى إذا قوي وترقى ظهرت آثارها شيئا فشيئا. وقد برهنا على هذه المعاني في كتبنا الحكمية فالمراد بقوله: ولولا تعلمون شيئا، أنه ولولا يظهر أثر العلم عليهم، ثم إنه بتوسط الحواس الظاهرة والباطنة يكتسب سائر العلوم. ومعنى: لعلكم تشكرون، إن تصرفوا كل آلة في ما خلقت لأجله، وليس الواو للترتيب حتى يلزم من عطف (جعل) على (أخرج) أن يكون جعل السمع والبصر والأفئدة متأخرا عن الإخراج من البطن.
- بحار الأنوار ج 1 ص 93:
- مص: قال الصادق (عليه السلام): الجهل صورة ركبت في بني آدم، إقبالها ظلمة، وإدبارها نور، والعبد متقلب معها كتقلب الظل مع الشمس، ألا ترى إلى الإنسان تارة تجده جاهلا بخصال نفسه حامدا لها عارفا بعيبها في غيره ساخطا، وتارة تجده عالما بطباعه ساخطا لها حامدا لها في غيره، فهو متقلب بين العصمة والخذلان، فإن قابلته العصمة أصاب، وإن قابله الخذلان أخطأ، ومفتاح الجهل الرضا والاعتقاد به، ومفتاح العلم الاستبدال مع إصابة موافقة التوفيق، وأدنى صفة الجاهل دعواه العلم بلا استحقاق، وأوسطه جهله بالجهل، وأقصاه جحوده العلم، وليس شئ إثباته حقيقة نفيه إلا الجهل والدنيا والحرص، فالكل منهم كواحد، والواحد منهم كالكل.
وقال في هامشه: وقوله (عليه السلام): الجهل صورة ركبت.. إلخ. لأن طبيعة الإنسان في أصل فطرتها خالية عن الكمالات الفعلية والعلوم الثابتة، فكأن الجهل عجن في طينتها وركب مع طبيعتها، ولكن في أصل فطرته له قوة كسب الكمالات بالعلوم والتنور والمعارف.