وجه ربه الأعلى. ولسوف يرضى. (سورة الليل: 17 - 21) فهذا هو منتهى مسار الإنسان في قوس الصعود، والكمال المطلق الممكن للإنسان!
وفي هذه الدرجة تنطفئ كل المصابيح، فكل الأنوار هنا ظلمات، ويشرق نور الله تعالى! حيث تفنى الأنا والنحن، وتفنى إرادة الإنسان في إرادة الله، ويفنى فكره وعقله.. فلا ابتغاء إلا لوجه الله، ولا وجهة إلا وجه الله!
لقد اتفقت كلمة جمع كبير من مفسري السنة على القضية التالية، ونقلوا اتفاق مفسريهم القدامى على ذلك، مثل قتادة، والحسن البصري، ومجاهد، والضحاك، وابن جبير، وابن مسعود، وابن عباس.
ونحن ننقلها من تفسير الكشاف لجار الله بن محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي، من مفسري أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس، قال: وعن ابن عباس (رض) أن الحسن والحسين مرضا، فعادهما رسول الله صلى الله عليه وآله في ناس معه، فقالوا يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما، إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام، فشفيا وما معهما شئ، فاستقرض علي من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعا واختبزت خمسة أقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء، وأصبحوا صياما، فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك، فلما أصبحوا أخذ علي (رض) بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، قال ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها، وقد التصق بطنها في ظهرها، وغارت عيناها فساءه ذلك، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام وقال: خذها يا محمد هنأك الله في أهل بيتك، فأقرأه السورة. انتهى. (1)