ما أحقر الدنيا عند الله تعالى، حتى سمح أن يكون خيرة أوليائه بعد نبيه صلى الله عليه وآله، الذين لو دعا أحدهم أن يملأ الله بيته ذهبا لفعل، سمح أن يستقرضوا قوتهم وهو خبز شعير، من يهودي!
إن هذا هو الإسلام الذي قلب الدنيا، وهذه هي المدينة الإسلامية الفاضلة التي تهز العالم، وهذا هو أشرف بيت فيها لا يملك قوت يومه، ويحتاج أن يستقرض خبزه من يهودي خيبري!
فطحنت فاطمة صاعا واختبزت خمسة أقراص.. وفي الليلة الأولى جاءهم فقير مسلم، وفي الثانية يتيم، وفي الثالثة أجنبي مشرك فآثروه كلهم حتى الحسن والحسين تصرفا كالكبار، ومن أولى منهما بفعل الكبار؟
فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن والحسين.. وأقبل فاتح خيبر وقالع بابها مع طفليه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم!
فذلك الإنسان الكامل، ملك ثمرات الوجود، وأشجع المخلوقات وأصبرها، الذي لا يهتز قلبه لما يهتز له العرش.. اهتز قلبه لهم وقال: ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم! بلفظ التعجب وأفعل التفضيل!
وقام فانطلق معهم.. لأنه لما رأى حالهم، رأى بلوغ عترته ذروة الإنسان وتحقق الثمرة من خلق الله للعالم، فأراد أن ينظر إلى بقية عترته في أي حال؟ فلعل فاطمة لا تستطيع الحراك أو أغشي عليها من الجوع!
فرأى فاطمة في محرابها، رأى ثمرة الوجود في محرابها، وقد التصق بطنها في ظهرها، وغارت عيناها فساءه ذلك! فنزل عليه جبرئيل عليه السلام وقال: خذها يا محمد هناك الله في أهل بيتك.. فأقرأه السورة!