الإسلام بكل أبعاده، حين تخرج مع أبيها رسول الله في ساحات القتال والجهاد، تضمد جراحه وجراح بعلها الوصي، وتمسح عنهما الآلام والأحزان. كانت تصور الإسلام، عندما تستقبل بطل الإسلام عليا أمير المؤمنين، وهو عائد من الحرب، فيدفع السيف لها قائلا:
أفاطم هاك السيف غير ذميم * فلست برعديد ولا بمليم أجل.. إنها تصور الإسلام عندما تخلع ثوبها ليلة الزفاف وتدفعه لفتاة فقيرة تبدو عليها رقة الحال، ويسألها أبوها عن ثوبها الجديد، فتجيبه بقولها: أبتاه يا رسول الله لقد طرقت علي الباب فتاة فقيرة تطلب ثوبا فأخذت ثوبي القديم لأدفعه لها.. ولكنني تذكرت قوله تعالى: * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * (1).
وأنا أحب الثوب الجديد فآثرتها به على نفسي فخلعت ثوبي الجديد وأعطيته لها!
آية عظمة هذه، وأية نفس كبيرة تطالعنا بها حياة فاطمة، وسيرتها العذبة التي تتضوع عطر الجنة؟! إن فاطمة الزهراء - سلام الله عليها - لتصور الإسلام بشكل جذاب وجميل بكل خطوة تخطوها.. وبكل كلمة تقولها.. إن ذلك يظهر بوضوح في خطبتها المشهورة المليئة بالفكر، والعطاء، والمبادرة. إن شعائر الإسلام تتحول إلى سلوك عندها فإذا أنت أمام شعائر تفور بالحركة، والعطاء، وتتفجر بالصور الساخنة، والمعاني الحية وتتحول في النهاية إلى واقع معيوش أساسه الإيمان وركائزه الفضائل وهياكله التسامح والرحمة.
ليس عند فاطمة شعائر جامدة، ولا عبادة راكدة، ولا طقوس فارغة من المحتوى، بل الشعيرة الدينية عند فاطمة متدفقة بالعطاء، مليئة بالمبادرة والانطلاق الصائب نحو الهدف والغاية إن الشعيرة الدينية - أية شعيرة - من دون فاطمة، تغدو شعيرة جامدة باهتة، تجري في رتابة مملة، فإذا لمستها فاطمة الزهراء، لمسة واحدة، اهتزت، وربت وأعطت ثمارها. إن لمسة واحدة من فاطمة للشعائر، تكفي لتحويله إلى سلوك عملي يمشي في الناس مشية النور.. وذلك أن فاطمة لا تتأمل مع الشعارات الفارغة، ولا