جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) (1). فعندما أختار الله إبراهيم إماما، استفهم إبراهيم هل تشمل هذه الموهبة الإلهية نسله؟
فأجيب بأن الإمامة عهد إلهي والظالمون لا نصيب لهم فيه، يعني مقتضى العدالة الربانية هكذا تكون مع الظالمين. وإذا دققنا النظر في القرآن الكريم وجدناه يدور حول محور واحد هو العدل في كل الأفكار القرآنية من التوحيد إلى المعاد ومن النبوة إلى الإمامة والزعامة ومن الآمال الفردية إلى الأهداف الاجتماعية، فالعدل في القرآن قرين التوحيد وركن المعاد وهدف لتشريع النبوة وفلسفة الزعامة والإمامة ومعيار كمال الفرد ومقياس سلامة المجتمع (2). أذن بعد هذه المقدمة في العدل يأتي السؤال في هذا المقام الذي نحن فيه وهو هل أن الله جل جلاله أعطى إلى أولياؤه الكثير من المناصب والمقامات الروحانية وعلى كل المستويات بالعدل أو جزافا أعطاهم إياها؟
فمثلا مقام فاطمة الزهراء عليها السلام وحجيتها على الأئمة وعلى جميع الأنبياء والجن والإنس، ومقام شفاعتها يوم القيامة وأنها تشفع بالجنة هل أعطى تعالى هذه المقامات بالعدل لها فتكون عندئذ مرتبط بالعدل الإلهي أم لا؟
وهذا السؤال يحتاج إلى ذكر مسألة مهمة وهي تعريف العدل سواء لغويا أم اصطلاحيا وبعد ذلك نرى مدى انطباق هذا الموضوع وعلى ضوء التعريف في حياة الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام ومدى ارتباطها بالعدل الإلهي.
العدل في اللغة: العدل من أسماء الله سبحانه، العدل هو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم، وهو في الأصل مصدر سمي به فوضع موضع العادل وهو أبلغ منه لأنه جعل المسمى نفسه عدلا وفلان من أهل المعدلة أي من أهل العدل.
والعدل: الحكم بالحق، فيقال هو يقضي بالحق ويعدل وهو حكم عادل: ذو معدلة في حكمه (3). أما تعريف العدل في الاصطلاح فلقد وردت فيه عدة تعاريف ولكن الذي يهمنا فيما نحن فيه التحريف الذي يقول: هو رعاية الاستحقاق في إفاضة الوجود