أن يصرفها عن ظاهرها، ويؤولها بما يتفق مع العقل والمنطق، وإذا فقد النص من الكتاب والسنة تتبع أقوال الفقهاء، فإن وجد لها أثرا في كلامهم نظر إلى دليلهم غير مقلد لأحد في أصل أو فرع كائنا من كان، فإن كان معقولا وكفيلا بالغاية المنشودة من الشرع عمل به، وإن لم يجد لمسألته أثرا في كتبهم، أو وجد حكمها من النوع الذي نقلناه، أعرض غير مكترث بالمتون والشروح والحواشي، ورجع إلى عقله واجتهاده، وركز حكمه على مبادئ التشريع مسترشدا بالقواعد العامة التي قررها العقل، ووضعت لحل المشكلات والمعضلات. يجب أن نسترشد بكل قاعدة وأصل وضع لرفع مستوى التشريع سواء أكان واضعة شيخا قديما أو جديدا، ما دام الأصل يتفق مع منطق العقل، وروح الشرع.
نحن نعتقد أن الشريعة الإسلامية شريعة خالدة تمتاز بروح المرونة، والتطور مع كل عصر، وأن الشرائع الحديثة قد اقتبست الكثير من أحكامها. ولكن هذا لا يمنعنا من إعلان الحق بأن فيها إلى جانب ذلك أحكاما دخيلة ابتدعها التعصب والجهل، وأنها في أشد الحاجة إلى التقليم والتطعيم، وهذا لا يحط من شأنها، ولا ينزلها عن عرشها، فهذه أرقى القوانين الحديثة التي هي نتيجة التفكير العميق، والدراسة الصحيحة ما زالت معرضا للتعديل والتبديل، والزيادة والنقصان، فأحرى أن يعرض ذلك لما في كتب الفقه التي مضى عليها قرون عديدة، وهي وعلى وضعها وطبعها، وترتيبها وتبويبها، مع أن أصحابها لا يعلمون الغيب، ولا يتنزهون عن الخطأ.
وضع الفقهاء كتبا، وبوبوا أبوابا خاصة للأمور الاجتماعية والاقتصادية كالزواج والطلاق، والتجارة والإجارة، وأكثر فيها من الفروع والفروض، ومع هذا كثيرا ما تعرض لنا مسائل من هذه الأبواب نجهل حكمها، فنرجع إلى كتبهم وأبوابهم باحثين عن الحكم فلا نجد له أثرا في فروعها وفروضهم على كثرتها، فكيف بما لم يفردوا له بابا مستقلا، ولا عنوانا خاصا كالملاحة والتجارة البحرية ونظم البريد التي هي من صميم الحياة، والتي وضع لها المشرع العصري قوانين في مجلد ضخم يبلغ مئات الصفحات.
لقد تطورت الحياة، وتعددت شؤونها وأحداثها، ولم يبق شئ حقير أو