الأخصائيون، فلم يكتف الإمام بتعداد المساوئ، وإضافة كل سيئه إلى نتيجتها الطبيعة التي تنفك عنها بحال، وإنما علم الإنسان كيف يتصل بخالقه رأسا ومن غير واسطة، وكيف يخلد إلى ضميره ووجدانه، ويعكف على نفسه فيهذبها ويجرد منها وازعا يقف سدا بينها وبين شهواتها واندفاعاتها، متجها بها إلى الخير والكمال، ناهجا منهج السعادة والفضيلة.
على هذا الأساس، أساس الشعور بالله وبالخير المطلق، والتجرد من الشهوات والأهواء وتهذيب الأخلاق والطباع، وتثقيف العقول والمواهب. على هذا الأساس أراد أئمة الشيعة أن يقيموا بنيان الإنسانية لتسيطر المحبة والعدالة، ويعم الأمن والسلام.
وقعت البشرية في أشد مما هي فيه اليوم من الجهل والعدوان، وإفشاء الرذيلة والفحشاء، ولم تنشلها من تلك الهوة السحيقة العميقة القنابل والطائرات، إن هذه تزيد المشاكل تعقدا وتقف حجرة عثرة في سبيل الصلاح والاصلاح لأن الأدواء والأوباء لا تعالج بإيجاد أسبابها الباعثة على نموها وانتشار. لقد وقع العالم في شر مما هو فيه الآن، فكان خلاصه على يد الرسل الأنبياء، رسل الرحمة والسلام، وأنبياء الإنسانية والعدالة، إن إحياء روح الفضيلة في النفوس هي السبيل الوحيدة الموصلة إلى الراحة وحسن العاقبة والسعادة في الدنيا والآخرة.
ليس الغرض من هذه الأوراد التقرب إلى سبحانه بتلاوتها وترديد ألفاظها، وإنما القصد أن نتفهم معانيها ومغازيها، فتغمر بها نفوسنا، ويستغرق بها تفكيرنا، لنعمل جاهدين معتقدين أن من ورائنا قوة خفية تراقب وتحاسب، فتعين المخلص على جهاده، وتمهد له سبيل النجاح، وتشجعه على المضي والنشاط:
" ربي قو على خدمتك جوارحي، واشدد على العزيمة جوانحي وهب لي الجد في خشيتك، والدوام في الاتصال بخدمتك، حتى أسرع إليك في ميادين السابقين، وأشتاق إلى قربك في المشتاقين، وأدنو منك دنو المخلصين، وأخافك مخافة الموقنين ".
وهل القرب من الله غير الجهاد في سبيل الصالح العام؟ وهل السباق في ميادين الله غير المسارعة إلى الفضائل والخيرات؟ وهل الاتصال بخدمة الله غير المثابرة