الحكم، وندرسها بطريقة حيادية، بصرف النظر عن كل قائل وعن منزلة العلمية والدينية، ثم نحكم بما يؤدي إليه الأصل والمنطق على نحو لو أطلع عليه أجنبي لاقتنع بأنه نتيجة حتمية للأصل المقرر. وبهذا نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أما من يطلع على قول مذهب من المذاهب، يؤمن به ويتعصب له، لا لشئ إلا لأنه مذهب آبائه، ويحكم على سائر المذاهب بأنها بدعة وضلالة فهو مصداق الآية الكريمة: " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون " وأي فرق بين رجل أفنى العمر في حفظ معتقدات أبيه ودرسها، لا يتجاوزها قيد أنملة، ورجل لم يقرأ، ولم يكتب، ولم يدرس شيئا، ولكن تكونت له من بيته وبيئته عادات ومعتقدات؟ أي فرق بين الرجلين حتى يقال: ذاك عالم، وهذا جاهل؟!
ليس العالم من وثق برأيه ومعتقد آبائه، وكانت له المقدرة التامة على المحاورة والمداورة، وإنما العالم من فصل الواقع عن ذاته وعاطفته، وفكر تفكيرا حرا مطلقا، لم يتعصب لرأي على رأي، بل يقف من كل قول موقف الشك والتساؤل، وإن كثر به القائلون، وآمن به الأقدمون.
إن احترام العالم باحترامه للحقيقة، فهي ضالته أينما وجدت.
لقد أثبتت التجارب أن الاختصاص بعلم من العلوم يحتاج إلى ثقافة عامة، ومعرفة نظريات ومبادئ علوم شتى، فكيف يكون الإنسان متخصصا بعلم، وهو لا يعرف عنه إلا قول عالم يخالفه فيه كثير من العلماء؟ وأستطيع التأكيد أن من الأجانب من يعرف عن الإسلام وتاريخه وشريعته ورجاله وعقائدهم ما لم يعرفه كثير من متخرجي الأزهر والنجف، وإنه لغريب أن تقوم جامعتان، لهما تاريخهما وعظمتهما، إحداهما في العراق، والثانية في مصر، يبحثان في موضوع واحد، ويهدفان إلى شئ أحد: إلى نشر الشريعة الإسلامية، ثم لا يكون بينهما أي نوع من أنواع التعارف والتعاون.
إن في كتب الشيعة الإمامية اجتهادات لا يعرفها الخواص من علماء السنة، ولو اطلعوا عليها لقويت ثقتهم بالشيعة وتفكيرهم، وكذا الشأن بالقياس إلى