الله تعالى، وأنهما قد تعاونا معا على إيجاده، فإن ذلك ليس بأقل محذورا من القول بالجبر، وهل يحسن العقاب من الباري تعالى على معصية كان هو أحد الفاعلين، وأقوى الشريكين، وإنما نعني بالأمر بين الأمرين أن الله تعالى أقدر الخلق على أعمالهم ومكنهم من أفعالهم، فهم يملكون الاستطاعة، لكن هو المملك، ثم أمرهم بالخير، ونهاهم عن الشر، ووعدهم بالثواب على الأول، والعقاب على الثاني، فإذا فعل العبد الخير والطاعة فيسند هذا الفعل إلى الله تعالى، لأن العبد فعله بالقدرة التي ملكها من خالقه، ولأنه قد رضي الله وأمره به، ويسب أيضا إلى العبد لأنه قد اختار الخير مع قدرته على الشر. وأما إذا اختار فعل الشر وأتى به العبد فإنه وإن فعله بالقدرة من الله تعالى إلا أنه مع ذلك لا ينسب الشر إلى الله، بل هو مستند إلى العبد وحده ولله الحجة عليه، حيث أنه لم يرض بفعل الشر، بل نهاه عنه، فالخير من الله تعالى لرضاه به وأقدار العبد عليه، حيث أقدره على الخير ولله الحجة لو فعل العبد الشر، لعدم الرضى.
وإنما إعطاء القدرة على المعصية والشر مع عدم الرضى بهما حذرا من الالجاء، فإن المعصية إذا لم تكن مقدورة للعبد وكانت الطاعة تصدر منه رغما عنه لما استحق مدحا ولا ثوابا، فإن الفضل يظهر بالامتحان، فلا جبر على المعصية لأن الله كما أقدره عليها فقد أقدره على الطاعة وترك العصيان، ولا تفويض لأنه تعالى لم يترك الأمر إلى مشيئة العبد واختياره، حيث نهاه عن الشر وزجره عنه، هذا هو المقصود من الأمر بين الأمرين الذين عابوا الشيعة به وآخذوهم عليه، والذي يدلك على صوابه وأنه هو المتعين في نظر العقل دون سواه مضافا إلى ما بيناه أن الإمام الرازي، وهو أحد الأقطاب المنتصرين لمذهب الجبر فإنه رغم ذكره مسألة الجبر في تفسيره ما يقرب عن عشرين مرة، وفي كل منها يقيم الأدلة والبراهين على صحة الجبر وبطلان غيره قد اعترف في أحد المقامات من حيث لا يشعر بفساد الجبر والتفويض، وصحة الأمر بين الأمرين قال في المجلد الخامس صفحة 355 من تفسيره (إن القول بأن العبد ليس له قدرة ولا اختيار جبر محض، والقول بأن العبد مستقل بأفعاله قدر محض، وهما مذمومان والعدل أن يقال، إن العبد يفعل الفعل ولكن بواسطة قدرة وداعية يخلقها الله فيه) وهذا كلام قريب مما تقوله الإمامية.