ولو مثلت هذه الرواية، كما هي، على مسرح عام لأحدثت ثورة في العقول، ولفعلت فعل السحر في النفوس، واتجهت بها إلى الله وعمل الخير، وكانت أجدى من ألف كتاب وكتاب في المواعظ والأخلاق. ولو أن الذين يهتمون بالأخلاق ومشكلات المجتمع اطلعوا عليها وعلى أمثالها من سيرة الإمام السجاد، وتنبهوا إلى ما تحويه من الأسس والقوانين لبلغوا الغاية المنشودة من أقصر الطرق وأيسرها. لقد حددت هذه الرواية حب الإنسان لله سبحانه بأنه حب البشرية والحرية، وإن حبيب الله هو صديق الإنسان الذي لا يعرف التعصب، ولا العنصرية، ولا القسوة.
وبالتالي، فإن التراث الذي تركه أهل البيت للإنسانية لا نجده في جامعة، ولا في كتاب، ولا عند أمة من الأمم.
ونختم الكلام عن الإمام السجاد بما جاء في كتاب " الإمام زيد " للشيخ أبي زهرة أحد كبار شيوخ الأزهر، فمما قاله في صفحات طوال:
" زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما هو الابن الذكر الذي بقي من أولاد الحسين، فقد قتل أخ له في المعركة الفاجرة التي شنها يزيد وعماله على الإمام الحسين بن الطاهرة فاطمة الزهراء.
ولم يحضر المعركة - أي لم يقاتل - لأنه كان مريضا، وقد كان في الثالثة والعشرين من عمره، أو يزيد على ذلك، ولعل الله سبحانه وتعالى أبقاه من هذه السيوف الأئمة، لتبقي ذرية الحسين الصلبة في عقب علي هذا. ولقد هم عمال يزيد أن يقتلوه، ولكن الله كف أيديهم عنه. كما حرض بعض الفجار يزيد على قتله، ونجاه الله.
وكان علي بن الحسين دائم الحزن شديد البكاء، وكان رحيما بالناس، كثير الجود والسخاء، فما علم أن على أحد دينا، وله به مودة إلا أدى عنه دينه.
دخل على محمد بن أسامة يعوده فوجده يبكي، فقال: ما يبكيك؟ قال علي دين. قال الإمام: وكم هو؟. قال: خمسة عشر ألف دينار. فقال الإمام:
هي علي.
وقد قال محمد بن إسحاق: كان ناس بالمدينة يعيشون لا يدرون من أين يعيشون، ومن يعطيهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك، فعرفوا أنه هو