الإمام، فعرفوا أنه كان المعيل. وكان يخرج في الليلة الظلماء، فيحمل الجراب على ظهره، وفيه الصرر من الدنانير والدراهم، وربما حمل على ظهره الطعام والحطب، حتى يأتي بابا بابا، فيقرعه، ثم يناول من يخرج إليه، وهو متستر، ولما وضع على المغتسل نظروا إلى ظهره، وعليه مثل ركب الإبل مما كان يحمل إلى منازل الفقراء والمساكين.
وكان يشتري العبيد، وما به إليهم حاجة، وكان يأتي بهم إلى عرفات، فإذا انتهى من مناسكه أعتقهم، وأعطاهم الأموال، وكان إذا ملك عبدا في أول السنة أو في أثنائها أعتقه ليلة الفطر، وما استخدم خادما أكثر من حول.
وتعال معي، لنقرأ المثال التالي من سيرة الإمام السجاد، لتعرف بأي الوسائل كان يتقرب إلى الله تعالى، ويطلب غفرانه ورضوانه، فلم يكتف بالصوم والصلاة، والحج والصدقات، والارشاد إلى الخيرات، والعفو عمن أساء إليه، بل تقرب إليه سبحانه بالاحسان إلى المستضعفين، وإعطاء الحرية للمستعبدين.
كان إذا أذنب عبد من عبيده: أو أمة من إمائه، يكتب اسم المذنب ونوع الذنب، والوقت الذي حصل فيه، ولم يعاقب المذنب أو يعاتبه، حتى إذا انتهى شهر رمضان المبارك جمعهم حوله، ونشر الكتاب، وسأل كل واحد منهم عن ذنبه، فيقر ويعترف، فإذا انتهى من عملية الحساب وقف في وسطهم، وقال لهم قولوا معي:
يا علي بن الحسين إن ربك قد أحصى عليك كما أحصيت علينا، وإن لديه كتابا ينطق بالحق، كما نطق كتابك هذا، فاعف واصفح، كما تحب أن يعفو عنك المليك ويصفح، واذكر وقوفك بين يدي الله ذليلا، كما نحن وقوف بين يديك.
فينوح الإمام ويبكي، ثم يعفو عنهم ويقول: اللهم إنك أمرتنا بالعفو عمن ظلمنا، وقد عفونا كما أمرت، فاعف عنا، ثم يقبل على عبيده، ويقول: أنتم أحرار لوجه الله، ويناجي ربه قائلا: اللهم إني عفوت عنهم وأعتقت رقابهم كما أمرت، فاعف عني وأعتق رقبتي من النار، ويأمر العبيد أن يقولوا: اللهم آمين رب العالمين، فيرفعون أصواتهم بالابتهال والدعاء لسيدهم المحسن، ثم يذهبون إلى سبيلهم بعد أن يجيزهم بما يغنيهم عما في أيدي الناس.