الذي كان يأتيهم بالليل بما يأتيهم به، ولما مات وجدوا في ظهره وأكتافه أثر حمل الجراب إلى بيوت الأرامل المساكين.
وكانت صدقاته كلها ليلا، وكان يقول: صدقة الليل تطفئ غضب الرب، وتنير القلب والقبر، وتكشف عن العبد ظلمه يوم القيامة.
ولم تكن رحمة زين العابدين بالناس، عطاء يعطى، بل كانت مع ذلك سماحة وعفوا، يعفو عن القريب وعن القعيد، وعمن ظلمه وأساء إليه. وتروى الأعاجيب عن رحمته وسماحته، منها أن جارية كانت تحمل الإبريق، وتسكب الماء ليتوضأ، فوقع على وجهه وشجه. فرفع رأسه إليها لائما، فقالت:
والكاظمين الغيظ.
قال: كتمت غيظي.
قالت: والعافين عن الناس.
قال: عفوت عنك.
قالت: والله يحب المحسنين.
قال: أنت حرة لوجه الله.
بهذه الأخلاق السمحة الكريمة، وبالتقوى التي لا تعرف سوى الله اشتهر زين العابدين، فأجله الناس، وأحبوه، حتى أنه كان إذا سار في مزدحم افسح الناس له الطريق. ويروى من عدة طرق أن هشام بن عبد الملك طاف بالبيت، فلما أراد أن يستلم الحجر لم يتمكن، وكان أهل الشام حوله، وبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين، فلما دنا من الحجر ليستلم تنحى عنه الناس إجلالا له، وهيبة واحتراما، فقال هشام: من هذا؟! استنقاصا له. وكان الفرزدق حاضرا، فأنشد الشاعر الفحل تلك القصيدة:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم ينمى إلى ذروة العز التي قصرت * عن نيلها عرب الإسلام والعجم يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم