رؤوفا بهم، بعيد الهمة، يتحرج من الظلم، ويمنع أصحابه منه، وقد أثنى المؤرخون على عدله وكرمه.
وقال ابن الأثير: كان ركن الدولة حليما كثير البذل، بعيد الهمة، متحرجا من الظلم، عفيفا عن الدماء يرى حقنها واجبا إلا فيما لا بد منه، وكان يجري الأرزاق على أهل البيوتات، ويصونهم عن التبذل، وكان يقصد المساجد الجامعة، ويتعهد العلويين بالأموال الكثيرة، ويتصدق بالأموال الجليلة، ويلين جانبه للخاص والعام. رضي الله عنه وأرضاه، وكان له حسن عهد، ومودة وإقبال، توفي سنة 366 ه. واستخلف على ممالكه ابنه عضد الدولة.
عضد الدولة:
كان عضد الدولة يمثل السيد الحاكم تمثيلا حقيقيا، وقد خضعت لسلطانه البلاد الممتدة من الخزر إلى كرمان وعمان، فلا بدع أن يلقب بشاهنشاه (ملك الملوك) لأول مرة في الإسلام، وقد ظل هذا اللقب لمن جاء بعده من ملوك الفرس.
وكان يعنى بمعرفة الأخبار وسرعة وصولها، شأن كل من يريد أن يحكم دولة كبيرة حكما صحيحا، فكان يسأل عن الأخبار الواردة، فإن تأخرت عن وقتها قامت قيامته، وكانت الأخبار تصل من شيراز إلى بغداد في سبعة أيام، أي أنها تقطع في كل يوم ما يزيد على مائة وخمسين كيلو مترا.
وقد أحكم نظام الجاسوسية، فكان يبحث عن أشراف الملوك، وينقب عن سرائرهم، وكانت أخبار الدنيا عنده، حتى لو تكلم إنسان بمصر وصل إليه الخبر، وأن رجلا بمصر ذكره بكلمة، فاحتال، حتى جاء به، ووبخه عليها، ثم رده إلى مكانه، فكان الناس يحترزون في كلامهم وأفعالهم من نسائهم وغلمانهم.
وقد طهر السبل من اللصوص، ومحا أثر قطاع الطريق، وقد دس على اللصوص في إحدى القوافل بغلا يحمل حلوى مسمومة، فأكلوا منها فهلكوا، وكانت هذه أعظم مكيدة، وأعاد النظام إلى صحراء جزيرة العرب، وصحراء كرمان، وكانت مخيفة، وكان سكانها يضعون الضرائب على قوافل الحج،