وقال يوم بويع عثمان: " واعجبا من قريش، واستئثارهم هذا الأمر من أهل البيت معدن الفضيلة، ونجوم الأرض، ونور البلاد، وأن منهم رجلا - أي عليا - ما رأيت بعد رسول الله أولى بالحق ولا أقضى بالعدل والأمر بالمعروف منه ". مات في خلافة عثمان من عفان، وحضر جنازته، وأثنى عليه، فأنشد الزبير:
لا ألفينك بعد الموت تندبني * وفي حياتي ما زودتني زادا فقال عثمان: يا زبير تقول هذا؟! أتراني أحب أن يموت مثل هذا من أصحاب رسول الله، وهو علي ساخط؟!
ومن رؤوس الدعاة في هذا الدور حجر بن عدي، وميثم التمار، وكميل ابن زياد، وعمر بن الحمق، ورشيد الهجري، وجويرية بن مسعد العبدي، وجميعهم قتلوا على التشيع، ومنهم أيضا سليمان بن صرد الخزاعي الذي استشهد في ثورته على قتلة الإمام سيد الشهداء، ومنهم مالك الأشتر، ومحمد بن أبي بكر، وقيس بن سعد، والمسيب بن نجية، وغيرهم كثير، وقد ازدادوا وكثروا بعد وقعة الطف.
وبديهة أن قوة الدعوة وضعفها يدوران على الظروف والمناسبات، ومن هنا كانت الدعوة بطيئة جدا في عهد الخليفتين أبي بكر وعمر، وسريعة في عهد الخليفة الثالث، لأن سيرة عثمان أعانت على نجاح الدعوة إلى التشيع، ومكنت لها في النفوس، ومضى التشيع قدما في خلافة الإمام علي، وفي حكم معاوية، ولم تعقه المذابح والفظائع عن التقدم، بل على العكس زادته قوة وانتشارا بخاصة حادثة كربلاء، قال الدكتور طه حسين في كتاب " علي وبنوه ": " عظم أمر الشيعة في الأعوام الأخيرة من حكم معاوية، وانتشرت دعوتهم أي انتشار في شرق البلاد الإسلامية، وفي جنوب بلاد العرب، ومات معاوية حين مات، وكثير من الناس، وعامة أهل العراق بنوع خاص يرون بغض بني أمية، وحب أهل البيت لأنفسهم دينا ".
وقال المستشرق فلهوزن يصف جيش التوابين الذي تجمع للأخذ بثارات الحسين، قال: " وكانوا مدفوعين بدافع الضمير الديني لا العواطف " (1).