واختلف علماء الإمامية في أمر المختار، فمنهم من لم يثق بدينه وإخلاصه، لأن الإمام السجاد ذمه وتبرأ منه، ومنهم من مدحه وأثنى عليه - وهم الأكثر الأشهر - لأن الله سبحانه استجاب دعوة الإمام، وقتل قتلة الحسين على يده، ومنهم من توقف، ولم يحكم عليه بشئ.
وقبل أن أكتب هذه الكلمات راجعت سيرته فيما لدي من المصادر، وبقيت معه ثلاثة أيام بلياليها، وانتهى بي البحث إلى الميل إلى أن الرجل كان من طلاب الحكم، وعشاق الإمارات، وأنه بايع ابن الزبير طمعا أن يوليه الكوفة، ولما يئس منه انتقض عليه، وحين اجتمع حوله الناس أخذ البيعة لنفسه، أما طلبه لثأر الحسين (ع) فكان لمجرد الدعاية، لأن الجماهير كانت تريد ذلك، ولولاها لسكت وأحجم، وعلى الأقل لم يفعل ما فعل، بدليل أنه أعطى الأمان لعمر بن سعد بطل المأساة في كربلاء، ولم يبطش به - فيما أعتقد - إلا بضغط الجماهير، ومضايقتهم له، فقد تجاوز الحماس للأخذ بالثأر كل حد، والتهبت المشاعر حقدا وغيظا على قتلة الحسين، حتى أن النسوة كانت توشي بأزواجهن الذين اشتركوا في مأساة كربلاء، ولم يستطيع المختار كبح الجماح، حتى ولو حاول ذلك، هذا، إلى أنه كان في أشد الحاجة إلى مؤازرتهم ومناصرتهم بعد أن أحاطت به قوى الزبيريين والأمويين من كل جانب. إذن لم يستطع المختار إلا أن يفعل ما فعل. والذي طالب بدم الحسين حقا، وبدافع من دينه وإخلاصه هو سليمان بن صرد الخزاعي ومن كان معه، ولذا انضم إليه كثير من القراء وأهل المعرفة، أما الغوغاء فكانت مع المختار.
ورغم ذلك كله فإني أقول مع العلامة المجلسي صاحب البحار: " إنه - أي المختار - وإن لم يكن كاملا في الإيمان واليقين، ولا مأذونا فيما فعله صريحا من أئمة الدين، لكن كما جرى على يده الخيرات الكثيرة، وشفى بها صدور قوم مؤمنين كانت عاقبة أمره إلى النجاة ".
وكفاه شفيعا قول الإمام السجاد حين رأى رأس ابن سعد: " الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من أعدائي، وجزى الله المختار خيرا ". وقول الإمام الصادق:
" ما امتشطت فينا هاشمية، ولا اختضبت، حتى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين ".