[المجلس الثلاثون] ومن كلام له عليه السلام:
الدنيا دار مني لها الفناء، ولأهلها منها الجلاء، وهي حلوة خضراء، قد عجلت للطالب، والتبست فارتحلوا منها بأحسن ما بحضرتكم من الزاد، ولا تسألوا فيها فوق الكفاف، ولا تطلبوا فيها أكثر من البلاغ. (1) هذا الكلام كان من علي عليه السلام وفق فعله، فإنه ما شبع من طعام قط، وكان أخشن الناس مأكلا وملبسا.
قال عبيد الله بن أبي رافع: دخلت عليه يوم عيد فقدم إليه جراب مختوم، فوجدنا فيه خبز شعير يابسا مرضوضا فأكل منه، فقلت: يا أمير المؤمنين كيف تختمه؟
قال: خفت هذين الولدين أن يليناه بسمن أو زيت.
وكان ثوبه مرقوعا بجلدة تارة، وبليف أخرى، ونعلاه من ليف، وكان يلبس الكرابيس (2)، فإذا وجد كمه طويلا قطعه، وكان يأتدم بخل أو ملح، فإن ترقى فببعض نبات الأرض، فإن ارتفع فبقليل من ألبان الإبل، ولا يأكل اللحم إلا قليلا، وقد طلق الدنيا ثلاثا، وكانت الأموال تجبى إليه من جميع بلاد الإسلام إلا من الشام، فيفرقها ثم يقول: