[المجلس الثالث والثلاثون ومن خطبة له عليه السلام:
أما بعد: فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع، وإن الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع، ألا وإن اليوم المضمار، وغدا السباق، والسبقة الجنة، والغاية النار، أفلا تائب من خطيئته قبل منيته.
ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه، ألا وإنكم في أيام أمل، من ورائه أجل فمن عمل في أيام أمله قبل حضور أجله، فقد نفعه عمله، ولم يضره أجله.
ألا فاعملوا في الرغبة كما تعملون في الرهبة.
ألا وإني لا أرى كالجنة نام طالبها، ولا كالنار نام هاربها.
ألا وإنكم قد أمرتم بالظعن، ودللتم على الزاد، وإني أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى، وطول الأمل، فتزودوا في الدنيا ما تجهزوا به أنفسكم غدا، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى. (1) وسمعه أبو الدرداء يقول في مناجاته في جوف الليل، وهو مستتر ببعيلات بني النجار:
إلهي أفكر في عفوك فتهون علي خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم على بليتي.
آه آه، إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها، وأنت محصيها، فتقول:
خذوه، فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته، ولا تنفعه قبيلته.