[المجلس الثاني والثلاثون] ومن خطبة له عليه السلام:
ألستم في مساكن من كان قبلكم أطول أعمارا، وأبقى آثارا، وأبعد آمالا، وأعد عديدا، وأكثف جنودا، تعبدوا للدنيا أي تعبد، وآثروها أي إيثار، ثم ظعنوا عنها بغير زاد مبلغ، ولا ظهر قاطع، فهل بلغكم أن الدنيا قد سخت لهم نفسا بفدية، أو أعانتهم بمعونة، أو أحسنت لهم صحبة، بل أرهقتهم بالفوادح، وأزهقتهم بالقوارع، وضعضعتهم بالنوائب، وعفرتهم للمناخر، ووطأتهم بالمناسم، وأعانت عليهم ريب المنون، أفهذه تؤثرون؟ أم عليها تحرصون؟
فبئست الدار لمن لم يتهمها، ولم يكن فيها على وجل منها، فاعلموا وأنتم تعلمون بأنكم تاركوها، وظاعنون عنها، واتعظوا فيها بالذين قالوا من أشد منا قوة، حملوا إلى قبورهم فلا يدعون ركبانا، وانزلوا فيها فلا يدعون ضيفانا، وجعل لهم من الصفيح أجنان، ومن التراب أكفان، ومن الرفاة جيران، فهم جيرة لا يجيبون داعيا، ولا يمنعون ضيما، إن جيدوا لم يفرحوا، وإن قحطوا لم يقنطوا، قد استبدلوا يظهر الأرض بطنا، وبالسعة ضيقا، وبالأهل غربة، وبالنور ظلمة، فجاؤوها كما فارقوها حفاة عراة، قد ظعنوا عنها بأعمالهم إلى الحياة الدائمة، والدار الباقية، حيث لا ينفع الإنسان إلا ما قدمه من أعماله الصالحة، وما يرجوه من شفاعة الشافعين. (1) وأن أفضل عمل صالح. وأقوى سبب لنيل الشفاعة، لزوم سنته، واتباع