[المجلس التاسع والعشرون] ومن خطبة له عليه السلام:
أما بعد: فإني أحذركم الدنيا، فإنها حلوة خضرة، حفت بالشهوات، وتحببت بالعاجلة، وراقت بالقليل، وتحلت بالآمال، وتزينت بالغرور، لا تدوم حبرتها (1)، ولا تؤمن فجعتها، غرارة ضرارة، حائلة زائلة، نافذة بائدة، أكالة غوالة، لا تعدو إذا تناهت إلى أمنية أهل الرغبة والرضا بها، أن تكون كما قال الله تعالى: كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شئ مقتدرا (2) لم يكن امرؤ منها في حبرة، إلا أعقبته بعدها عبرة، ولم يلق من سرائها بطنا، إلا منحته من ضرائها ظهرا، ولم تطله فيها ديمة رخاء، إلا هتنت عليه مزنة بلاء، وحري إذا أصبحت له منتصرة، أن تمسي له متنكرة، وإن جانب منها اعذوذب واحلولى أمر منها جانب فأوبى (3)، لا ينال امرئ من غضارتها رغبا، إلا أرهقته من نوائبه تعبا، ولا يمسي منها في جناح أمن، إلا أصبح منها على قوادم خوف، غرارة غرور ما فيها، فانية فإن من عليها، لا خير في شئ من أزوادها إلا التقوى، من استقل منها استكثر مما يؤمنه، ومن استكثر منها استكثر مما يوبقه، وزال عما قليل عنه، كم واثق منها فجعته، وذوي طمأنينة لها قد صرعته، وذي أبهة قد جعلته حقيرا،