المجلس الثامن والعشرون] ومن خطبة له عليه السلام:
وكم أكلت الأرض من عزيز جسد، وأنيق لون، كان في الدنيا غذي ترف، وربيب سرف، يتعلل في السرور في ساعة حزنه، ويفزع إلى السلوة إن مصيبة نزلت به، ضنا بغضارة عيشه، وشحا بلهوه ولعبه، فبينا هو يضحك إلى الدنيا، وتضحك الدنيا إليه، في ظل عيش غفول، إذ وطأ الدهر به حسكه، ونقضت الأيام قواه، ونظرت إليه في الحتوف من كثب، فخالطه بث لا يعرفه، ونجي هم ما كان يجده، وتولدت فيه فقرات علل، آنس ما كان بصحته، ففزع إلى ما كان عوده الأطباء، من تسكين الحر بالقار، وتحريك البارد بالحار، فلم يطفئ ببارد إلا ثورة حرارة، ولا حرك بحار إلا هيج برودة، حتى فنر معللة، وذهل ممرضه، وتعايا أهله بصفة دائه، وخرسوا عن جواب السائلين عنه، وتنازعوا دونه شجي خبر يكتمونه، فقائل: هو لما به، وممن لهم إياب عافيته، ومصبر لهم على فقده، يذكرهم أسى الماضين من قبله، فبينا هو كذلك على جناح من فراق الدنيا، وترك الأحبة، إذ عرض له عارض من غصصه، فتحيرت نوافذ فطنته، ويبست رطوبة لسانه.
إلى أن قال عليه السلام: وإن للموت لغمرات، هي أفضع من أن تستغرق بصفة أو تعتدل على عقول أهل الدنيا. (1)