وتالله لا يهون سكرات الموت إلا ولاء آل رسول الله صلى الله عليه وآله، فإن مواليهم ليبشره ملك الموت ثم منكر ونكير بالجنة، وإن الملائكة لتزف أرواح مواليهم إكراما لهم حتى تدخلها عليهم كما تزف العروس إلى زوجها، وأيم الله إن من تمام موالاتهم الحزن لحزنهم، والبكاء على ما أصابهم، فحدثوا أنفسكم بمصارع هاتيك العترة، وتأسفوا على ما فاتكم من الفوز بتلك النصرة، واذكروا واعية الحسين، وحاله وهو بين ثلاثين ألفا وحيدا فريدا، قد حال العطش بينه وبين السماء كالدخان، وقد نزف دمه، والحجارة والسهام تأتيه من كل جانب، وأهل بيته وأصحابه كالأضاحي حوله، ونساؤه نوائح ونوادب من خلفه، وهو تارة يصبرهم ويعزيهم، وتارة يعظ القوم وينذرهم، ومرة ينعى أصحابه ويرثيهم، وأخرى يقف على جثثهم ويمسح الدماء عن وجوههم...
ولما وقف على ولده علي الأكبر وهو ابن تسع عشرة سنة، وكان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله خلقا وخلقا ومنطقا، فوجده مقطعا إربا إربا، نادى بأعلى صوته: قتل الله قوما قتلوك يا بني، ما أجرأهم على الله، وعلى انتهاك حرمة الرسول، على الدنيا بعدك العفا...
ولما وقف على ابن أخيه القاسم (1) وهو ابن ثلاث عشرة سنة ووجده يفحص برجليه الأرض، قال: عز على عمك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا يغني عنك.
ثم وضع خده على خد الغلام واحتمله ورجلاه يخطان الأرض، ففتح الغلام عينيه، وتبسم في وجه عمه ثم فاضت نفسه الزكية، فوضعه بين القتلى من