آه آه، من نار تنضج الأكباد والكلى.
آه آه، من نار نزاعة للشوى.
آه آه، من غمرة من لهبات لظى.
قال أبو الدرداء: ثم انغمس في البكاء فلم أسمع له حسا ولا حركة، فأتيته فإذا هو كالخشبة اليابسة، فحركته فلم يتحرك، وزويته فلم ينزو، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، مات والله علي بن أبي طالب، فأتيت أهله أنعاه إليهم.
فقالت فاطمة سلام الله عليها: هي والله الغشية التي تأخذه من خشية الله تعالى، ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه فأفاق، فرآني أبكي فقال: مم بكاؤك يا أبا الدرداء؟
فقلت: مما تنزله بنفسك.
قال: كيف بك لو رأيتني وقد دعي بي إلى الحساب، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب، واحتوشتني ملائكة غلاظ شداد، ووقفت بين يدي من لا تخفى عليه خافية. (1) وكان صلوات الله وسلامه عليه: أعبد الناس، وأكثرهم صلاة وصوما، منه تعلم الناس صلاة الليل. وملازمة الأوراد، وقيام النافلة.
وكانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده، وما ظنك بمن يبلغ من محافظته على ورده، أن يبسط له قطع بين الصفين ليلة الهرير، فيصلي عليه السلام ورده، والسهام تقع بين يديه، وتمر على صماخيه يمينا وشمالا فلا يرتاع، ولا يقوم حتى يفرغ من ورده وصلاته. (2)