فقال: يا رسول الله أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة أمضي ما أمرتني أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ فقال: بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، قال:
فأقبلت متوشحا بالسيف فوجدته عندها، فاخترطت السيف، فلما عرف أريده أتى نخلة فرقى إليها، ثم رمى بنفسه على قفاه وشغر برجليه، فإذا أنه أجب أمسح ماله مما للرجال قليل ولا كثير، فرجعت فأخبرت النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: الحمد لله الذي يصرف عنا السوء أهل البيت " (1).
والمشهور أن هذه الآية نزلت في واقعة الوليد بن عتبة بن أبي معيط، حيث بعثه النبي (صلى الله عليه وآله) إلى بني المصطلق مصدقا، فلما قرب إلى ديارهم ركبوا مستقبلين فظنهم مقاتليه، فرجع وأخبر النبي (صلى الله عليه وآله) بأنهم ارتدوا، فأمر المؤمنون بالتثبت والتوقف ليعلموا فسقه وعدمه. والحق ما ذكره القمي طاب ثراه.
وعلى تقدير كون تلك الآيات نازلة في عائشة وبراءتها لا تدل على مكانتها ومنزلتها، بل ما كان ذلك إلا لإظهار منصب الرسول وإعلاء منزلته كما سيأتي.
والمراد بالإفك: الكذب العظيم، وأصله من الأفك وهو القلب، لأنه قول مأفوك عن وجهه.
وسببه على المشهور بين الجمهور: أن عائشة ضاع عقدها في غزوة بني المصطلق، وكانت قد خرجت لقضاء حاجة، فرجعت طالبة له، وحمل هودجها على بعيرها ظنا منهم أنها فيها، فلما عادت إلى الموضع وجدتهم قد رحلوا، وكان صفوان من وراء الجيش، فلما وصل إلى ذلك الموضع وعرفها أناخ بعيره حتى ركبته وهو يسوقه حتى أتى الجيش وقد نزلوا قائم الظهيرة، وكان عتبة بن أبي معيط (2) رأس أصحاب الإفك، وكان يجتمع الناس عنده فيحدثهم بحديث الإفك ويشيعه بين الناس، وكان يقول: امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ثم جاء يقودها، والله ما نجت منه ولا نجى منها (3).