بالبخل، وهذا بالكبر، وهذا بالصيد واللعب، وهذا بمحبة أعداء الدين، وهذا بالضعف، وهذا تفصيل يقتضي نقض تلك الجملة بغير شبهة، مع وضوح برهان الكذب في أحد الخبرين، وكونه معذورا إن كان صادقا في التفصيل بتعريض من لا يصلح للإمامة للاختيار لما، إذ لا فرق بين أن يقتدها من لا يصلح لها وبين أن يعرضه لها.
ومنها: أنه شهد لعبد الرحمن بالضعف، وجعله عيارا على القوم، ومن كان ضعيفا في دينه أو رأيه - إذ ضعف الحال معلوم خلافه - لا يجوز أن يجعل عيارا على الأمة.
وثالثها: أنه لم يصف أحدا من القوم - برواية أحد - إذ وصف به عليا عليه السلام:
من قوة الإيمان، والبصيرة بالأمر، وسلوكه بمن تبعه المحجة البيضاء، فكان ينبغي أن لا يعدل به عن الأمر، لشكه بل قطعه في كل منهم بخلاف ذلك، أو بجعله على أقل الأحوال عيارا عليهم، ولا يجعل من شهد له بالضعف في الرأي والدين بمطلق القول عيارا عليه، ويعرض بقتله من أول قوله إلى آخره، لأنه المظنون خلافه من دون الجماعة، ليقدم النص عليه، ومن لم يزل يسمع منه من التظلم التقدم عليه والترشح للأمر دونه ما لم يسمع من غيره، بقوله: وإن خالف واحد فاقتلوه بعينه، ثم ظن مشاركة الزبير له لكونه ابن عمته ولما كان من التحيز إليه يوم السقيفة والغضب له وتجريد السيف واستمراره على ولايته، فقال: وإن اتفق اثنان وأربعة فاقتلوا الاثنين، ثم ظن مشاركة طلحة للزبير في الرأي (لما) بينهما من الأخوة، فقال: فإن بايع رجلان لرجل ورجلان لرجل فكونوا مع الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن واقتلوا الثلاثة الأخر، ظنا منه أن عبد الرحمن لا يفارق عثمان، للصهر الذي بينهما - عبد الرحمن زوج أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وأمها أم أروى أم عثمان، فهي أخته لأمه - وسعد ابن عم (1) عبد الرحمن، فأولئك الثلاثة حزب، وهؤلاء حزب، فبين الأمر من أوله إلى آخره على قتل علي عليه السلام.
ولم يخف ذلك عليه عليه السلام، لأنه قال لابن عباس: إن القوم قد عادوكم بعد نبيكم لعداوتهم له في حياته، ألا ترى إلى قول عمر: إن يبايع اثنان لواحد واثنان لواحد