العراق وداهيتهم قد اتصل بعمرو بن العاص ماكر أهل الشام وداهيتهم، ودبرا هذا الامر بينهم تدبيرا، ودبروا أن يقتتل القوم فان ظهر أهل الشام فذاك، وان خافوا الهزيمة أو أشرفوا عليها رفعوا المصاحف فأوقعوا الفرقة بين أصحاب علي وجعلوا بأسهم بينهم شديدا " (1).
وعلى أي حال فان الهزيمة لما بدت باهل الشام، وتفللت جميع قواعدهم فزع معاوية إلى ابن العاص يطلب منه الرأي فأشار عليه يرفع المصاحف فامر بالوقت يرفعها فرفعت زهاء خمسمائة مصحف على أطراف الرماح تعالت الأصوات من أهل الشام بلهجة واحدة.
" هذا كتاب الله بيننا وبينكم من فاتحته إلى خاتمته، من لثغور أهل الشام بعد أهل الشام؟ ومن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق؟ ومن لجهاد الروم؟ ومن للترك؟ ومن للكفار؟. " وكانت هذه الدعوى كالصاعقة على رؤوس الجيش العراقي فقد انقلب رأسا على عقب، فتدافعوا كالموج نحو الامام وهم ينادون:
" لقد أعطاك معاوية الحق، دعاك إلى كتاب الله فاقبل منه... ".
ودلهم الامام على زيف هذه الحيلة، وانها جاءت نتيجة فشلهم في العمليات العسكرية، وانها لم يقصد بها إلا خداعهم وانهم رفعوا المصاحف لا إيمانا بها وانما هو من الخداع والمكر ومما يؤسف له انهم لم يقرروا حق مصيرهم، ومصير الأمة في تلك الفترات الحاسمة من تاريخهم التي أشرفوا فيها على الفتح والنصر، ولم يبق من دك حصون الظلم ونسف قواعد الجور إلا لحظات.
يا للمصيبة والأسف لقد أصروا على التمرد، والعناد، فانحاز منهم اثنا عشر ألفا وهم أهل الجباه السود، فخاطبوا الامام باسمه الصريح قائلين: