القول (1). يدلك على ذلك قوله حين شاوره معاوية في أمر عبد الله بن هاشم بن عتبة ابن مالك بن أبي وقاص. وكان أبوه أحد فرسان علي في صفين فأشار عليه عمرو أن يقتل عبد الله فرأى معاوية العفو عنه فخرج عمرو مغضبا وكتب إليه.
أمرتك أمرا حازما فعصيتني * وكان من التوفيق قتل ابن هاشم أليس أبوه يا معاوية الذي * أعان علينا يوم حز الغلاصم فقتلنا حتى جرى من دمائنا * بصفين أمثال البحور الخضارم وهذا ابنه والمرء يشبه عيضه * وتوشك أن تلقي به جد نادم (2) ولا أدل على فصاحة عمرو من السبائك الذهبية التي نظمها في خطبه وكتبه - تلك الأقوال التي ينبعث منها الاخلاص في العمل والسعي لترقية رعيته واستنهاض همم جنده قبيل المواقع الحربية. ولم يكن في الوصف بأقل بلاغة منه في الشعر فقد أقر أحد علماء الفرنجة إن وصف مصر لعمر بن الخطاب (كما سيأتي) من أكبر آيات البلاغة.
وإن نفس عمرو لتبين أجلى بيان من خلال أقواله المأثورة وحكمه البليغة: فهي البرهان الساطع والدليل القاطع على رجاحة عقله وسمو مداركه وسرعة خاطره، وإصابة رأيه وحسن حديثه. ولندل الآن بشئ يسير من هذه الأقوال لكي تكون شاهدا على صحة ما نقول.
.