بل فارس والروم، قلت: فما ينفعنا فضلنا عليهم في الهدى إن لم تكن إلا هذه الدنيا وهم أكثر فيها أمرا. قد وقع في نفسي أن ما يقول محمد من البعث حق ليجزى المحسن في الآخرة بإحسانه والمسيئ بإساءته.
هذا يا ابن أخي الذي وقع في نفسي ولا خير في التمادي في الباطل. أه.
وروى عن عبد الرحمن بن زيد أسلم عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص رضي الله عنهما: لقد عجبت لك في ذهنك وعقلك كيف لم تكن من المهاجرين الأولين؟ فقال له عمرو: وما أعجبك يا عمر من رجل قلبه بيد غيره لا يستطيع التخلص منه إلا إلى ما أراد الذي هو بيده! فقال عمر: صدقت. أه.
ومن نظر في أمر قريش ومسكها مع النبي صلى الله عليه وسلم عرف أن شيوخها وشبابها كانوا ذوي حملة شديدة في جهاد الإسلام في أول الأمر، وكان انتصار النبي لا يزيدهم إلا شدة وحماسة. ولكن وهذا لانتصار قد تكرر وعظم أمره في جميع البلاد العربية، وقتلت سادات قريش ومات ذوو الحلم فيها. فأخذ الشبان وأصحاب المطامع يترددون ويتساءلون عن أي الأمرين أوفق لهم. رأوا قوة من جهة وضعفا من جهة أخرى. فكانوا يودون لو انضموا إلى هذه القوة الناشئة فنفعوا وانتفعوا. ولكنهم كانوا يخشون سوء رأي قومهم فيهم، وضياع ما كانوا يستمتعون به من الحرية من جهة أخرى. فمنهم من تغلب على هذه المخاوف فذهب إلى المدينة وأسلم. ومنهم من اشتد تردده فاعتزل الطرفين حينا، حتى إذا ثبت له من غير شك أن أمر محمد ظاهر على قريش أسرع فأدرك الفرصة قبل ضياعها وأسلم قبل الفتح. من الأولين خالد بن الوليد ومن الآخرين عمرو الذي اعتزل البلاد العربية، وذهب إلى أرض محايدة هي أرض الحبشة ليرقب الأمر. فرأى ما كان من حسن الصلة بين المدينة وبين النجاشي، وأيقن أن مر الإسلام سينتهي بالظفر وأن سقوط مكة قريب، وإنه إن أراد أن يدخل لنفسه