جعلهم أهل الشورى، وسالم عبد لامرأة من الأنصار وهي أعتقته وحازت ميراثه، ثم لم ينكر ذلك من قريش منكر، ولا قابل إنسان بين قوليه ولا تعجب منه، وإنما يكون ترك النكير على من لا رغبة ولا رهبة عنده دليلا على صدق قوله وصواب عمله، فاما ترك التنكير على من يملك الضعة والرفعة، والأمر والنهي، والقتل والاستحياء، والحبس والإطلاق، فليس بحجة تشفى ولا دليل يغني.
قال: وقال آخرون: بل الدليل على صدق قولهما وصواب عملهما، إمساك الصحابة عن خلعهما والخروج عليهما، وهم الذين وثبوا على عثمان في أيسر من جحد التنزيل، ورد النصوص، ولو كانوا كما يقولون ويصفون ما كان سبيل الأمة فيهما إلا كسبيلهم فيه، وعثمان كان أعز نفرا وأشرف رهطا، وأكثر عددا وثروة، وأقوى عدة.
قلنا: إنهما لم يجحدا التنزيل ولم ينكرا المنصوص، ولكنهما بعد إقرارهما بحكم الميراث وما عليه الظاهر من الشريعة ادعيا رواية، وتحدثا بحديث لم يكن محالا كونه، ولا يمتنع في حجج العقول مجيؤه، وشهد لهما عليه من علته مثل علتهما فيه، ولعل بعضهم كان يرى التصديق للرجل إذا كان عدلا في رهطه، مأمونا في ظاهره، ولم يكن قبل ذلك عرفه بفجرة، ولا جرب عليه غدرة، فيكون تصديقه له على جهة حسن الظن وتعديل الشاهد، ولأنه لم يكن كثير منهم يعرف حقائق الحجج، والذي يقطع بشهادته على الغيب، وكان ذلك شبهة على أكثرهم، فلذلك قل النكير، وتواكل الناس، واشتبه الأمر، فصار لا يتخلص إلى معرفة حق ذلك من باطله إلا العالم المتقدم، والمؤيد المرشد.
ولأنه لم يكن لعثمان في صدر العوام وفي قلوب السفلة والطغام ما كان لهما من الهيبة والمحبة، ولأنهما كانا أقل استيثارا بالفيء، وأقل تفكها بمال الله منه، ومن شأن الناس اهمال السلطان ما وفر عليهم أموالهم، ولا يستأثر بخراجهم، ولم يعطل ثغورهم.
ولأن الذي صنع أبو بكر من منع العترة حظها والعمومة ميراثها، قد كان موافقا