كتمانه واخفائه في الأمم السالفة داع، ولم يذكره رجل في كتابه، ولم يسمعه أحد من أهل أمة، ولعمري لا شك حينئذ أن من لزم الإنصاف، وجانب المكابرة والاعتساف، وتأمل في مدلول الخبر، وأمعن النظر يجزم قطعا بكذبه وبطلانه.
وإن كان القسم الثاني وهو أن يكون اعتماد أبي بكر في تخصيص الآيات بالخبر من حيث رواية الرواة له دون علمه بأنه من كلام الرسول (صلى الله عليه وآله) لسماعه باذنه، فيرد عليه أيضا وجوه من النظر.
الأول: ان ما ذكره قاضي القضاة من أنه شهد لصدق الرواية في أيام أبي بكر عمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن، باطل غير مذكور في سيرة ورواية من طرقهم وطرق أصحابنا، وإنما المذكور في رواية أوس بن مالك التي رووها في صحاحهم ان عمر بن الخطاب لما تنازع عنده أمير المؤمنين والعباس استشهد نفرا فشهدوا بصدق الرواية، حيث قال عمر لهؤلاء: أتعلمون ان رسول الله قال: لا نورث ما تركناه صدقة؟ قالوا: نعم، ثم قال لعلي والعباس: أتعلمان أن رسول الله قال كذا؟ قالا: نعم...، على ما مر تفصيل الخبر، وقد رواه البخاري (1) ومسلم (2)، وأخرجه الحميدي، وحكاه في جامع الأصول (3).
ثم حكم في جامع الأصول عن البخاري ومسلم انه قال عمر لعلي: قال أبو بكر: قال رسول الله: لا نورث ما تركناه صدقة، فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا...
إلى آخر ما مر أيضا من أخبارهم المختلفة في الجملة في غير موضع الاستشهاد.
ولا يذهب على ذي فطنة أن شهادة هؤلاء الذين تضمنتهم الروايات لم تكن من حيث الرواية والسماع عن الرسول، بل لثبوت الرواية عندهم بقول أبي بكر بقرينة أن عمر ناشد عليا والعباس: أتعلمان أن رسول الله قال كذا؟ فقالا: نعم، وذلك لأنه لا يقدر أحد في ذلك الزمان على تكذيب تلك الرواية، وقد قال عمر