وابن حزم والشيخ قال تعالى: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) (الفرقان 1) العالمون شامل للملائكة كما هو شامل للانس والجن، وقد أجمع المفسرون على أن قوله تعالى: (الحمد لله رب العالمين) (الفاتحة 1) شامل لهؤلاء الثلاثة، فكذلك هذا، والأصل بقاء اللفظ على عمومه حتى يدل الدليل على اخراج شئ منه، ولم يدل هنا دليل على اخراج الملائكة، ولا سبيل إلى وجوده، لا من القرآن ولا من الحديث، وقد نوزع من ادعى الاجماع على عدم ارساله إليهم، فمن أين تخصيصه بالانس والجن فقط دون الملائكة؟ وكذا قوله تعالى: (وما أرسلناك الا رحمة للعالمين) (الأنبياء 107) فإنه شامل للملائكة ومما يدل على ذلك قوله تعالى: (وقالوا: اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون) (الأنبياء 26) يعني الملائكة (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون، ومن يقل منهم: اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم) (الأنبياء 27، 28، 29).
كذلك روى ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: (ومن يقل منهم) قال: يعني الملائكة.
وروى ابن المنذر نحوه عن ابن جريج رضي الله عنه، وفي حديث ابن عباس فهذه الآية انذار للملائكة على لسان النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الذي أنزل عليه وقد قال تعالى: (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) (الانعام 19) قال الشيخ: ولم أقف إلى الان على انذار، وقع في القرآن للملائكة سوى هذه الآية. والحكمة في ذلك واضحة، لان غالب المعاصي راجعة إلى البطن والفرج، وذلك يمتنع عليهم من حيث الخلقة فاستغنى عن انذارهم فيه، ولما وقع من إبليس، وكان منهم على ما رجحه غير واحد، منهم النووي أو فيهم نظير هذه المعصية أنذروا فيها، وقد أفرد الشيخ رحمه الله تعالى الكلام على هذه المسألة مؤلفا سماه (تزيين الأرائك في ارسال النبي إلى الملائك) بسط فيه الأدلة، فليراجعه من أراده.
أعطى الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم من الملائكة أمورا لم يعطها أحد من الأنبياء، وقال الشيخ جلال الدين المحلي في شرح (جمع الجوامع)، وفي تفسير الإمام الرازي والبرهان للنسفي: حكاية الاجماع في تفسير الآية الثانية، يعني آية الفرقان على أنه لم يكن مرسلا إليهم وعبارة الامام قالوا: هذه الآية تدل على أحكام.
الأول: أن العالم كل ما سوى الله فيتناول جميع المكلفين من الجن والإنس والملائكة لكنا أجمعنا على أن قوله (أجمعنا) ليس صريحا في اجماع الأمة، لان مثل هذه العبارة تستعمل لاجماع الخصمين المتناظرين بل لو صرح به لمنع فقد قال الامام السبكي في جواب السؤال