أرقاءكم أرقاءكم أطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون، فإن جاء بذنب لا تريدون أن تغفروه فبيعوا عباد الله، ولا تعذبوهم، أوصيكم بالجار - حتى أكثر - فقلنا إنه سيورثه.
أيها الناس: إن الله قد أدى لكل ذي حق حقه، وإنه لا يجوز وصية لوارث، والولد للفراش، وللعاهر الحجر، ومن ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه، فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، العارية مؤداة، والنحلة مردودة، والدين مقضي والزعيم غارم.
أما بعد: فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من ها هنا عند غروب الشمس حتى تكون الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها. هدينا مخالف هديهم، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام عند طلوع الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها. ويقولون: أشرق ثبير كيما نغير فأخر الله هذه وقدم هذه، يعني: قدم المزدلفة قبل طلوع الشمس، وأخر عرفة إلى أن تغيب الشمس، وإنا لا ندفع من عرفة حتى تغيب الشمس، وندفع من المزدلفة حتى تطلع الشمس، وهدينا مخالف لهدي الأوثان والشرك).
قلت: وفي حديث المسور بن مخرمة - رضي الله تعالى عنه - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفات فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (أما بعد: أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من هذا الموضع إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها، وإنا ندفع بعد أن تغيب وكانوا يدفعون من المشعر الحرام إذا كانت الشمس منبسطة)، رواه الطبراني برجال الصحيح (1).
(وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟) قالوا: نشهد أنك بلغت، وأديت، ونصحت، فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها على الناس (اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد).
ثلاث مرات.
قلت: روى البيهقي، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب بعرفات، فلما قال: (لبيك اللهم لبيك، قال إنما الخير خير الآخرة) (2).
قال أبو محمد: وأرسلت إليه أم الفضل بنت الحارث الهلالية وهي أم عبد الله بن عباس بقدح لبن فشربه أمام الناس ووهماه في ذلك وقال: (إنما كان ذلك بعد ذلك حين وقف بعرفة كما سيأتي).