ونهى أن يبيت أحد بليالي منى، ورخص للرعاة أن يبيتوا عند منى، من جاء منهم فرمى بالليل أرخص له في ذلك وقال: ارموا بمثل حصى الخذف (1).
كان أزواجه يرمين مع الليل، ثم رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى منى من يومه ذلك فبات بها، فلما أصبح انتظر زوال الشمس، فلما زالت الشمس مشى من رحله إلى الجمار ولم يركب، فبدأ بالجمرة الأولى، التي تلي مسجد الخيف فرماها بسبع حصيات واحدة بعد واحدة، يقول مع كل حصاة: (الله أكبر) ثم يقدم على الجمرة أمامها حتى أسهل فقام مستقبل القبلة ثم رفع يديه ودعا دعاء طويلا بقدر سورة البقرة، ثم أتى - صلى الله عليه وسلم - إلى الجمرة الوسطى فرماها كذلك، ثم انحدر ذات اليسار، مما يلي الوداع فوقف مستقبل القبلة رافعا يديه يدعو قريبا من وقوفه الأول ثم أتى الجمرة الثالثة، وهي جمرة العقبة، فاستبطن الوادي واستعرض الجمرة، فجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه فرماها بسبع حصيات كذلك، ولم يرمها من أعلاها كما يفعل الجهال، ولا جعلها عن يمينه، واستقبل البيت وقت الرمي كما ذكره غير واحد من الفقهاء.
فلما أكمل الرمي من فوره ولم يقف عندها، فقيل: لضيق المكان بالجبل، وقيل: وهو الأصح أن دعاءه كان في نفس العبادة قبل الفراغ منها، فلما رمى جمرة العقبة فرغ الرمي، والدعاء في صلب العبادة قبل الفراغ منها أفضل منه بعد الفراغ منها، وذكر ما يتعلق بالدعاء بعد الصلاة، وقد تقدم بما فيه.
قال: والذي يغلب على الظن أنه كان يرمي قبل الصلاة، ثم يرجع فيصلي، لأن جابرا وغيره قالوا: كان يرمي إذا زالت الشمس فعقبوا زوال الشمس برميه وأيضا فإن وقت الزوال للرمي أيام منى، كطلوع الشمس لرمي يوم النحر.
وروى الترمذي، وابن ماجة، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرمي الجمار إذا زالت الشمس زاد ابن ماجة. قدر ما إذا فرغ من رميه - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر (2).
وذكر الإمام أحمد: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يرمي يوم النحر راكبا، وأيام منى ماشيا، في ذهابه ورجوعه.
قال ابن القيم: وقد تضمنت حجته - صلى الله عليه وسلم - ست وقفات للدعاء في الموقف: الأول: