أنزل عليه هناك (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) [المائدة / 5].
وهناك سقط رجل من المسلمين عن راحلته وهو محرم فمات، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكفن في ثوبه، ولا يمس بطيب، وأن يغسل بماء وسدر، ولا يغطى رأسه ولا وجهه وأخبر أنه يبعث يوم القيامة يلبي.
فلما غربت الشمس واستحكم غروبها بحيث ذهبت الصفرة أفاض من عرفة، وأردف أسامة بن زيد خلفه، وأفاض بالسكينة، وضم إليه زمام ناقته القصواء حتى إن رأسها ليصيب طرف رجله، وهو يقول: (أيها الناس عليكم السكينة، فإن البر ليس بالإيضاع)، أي ليس بالإسراع، وأفاض من طريق المأزمين وكان دخل مكة من طريق ضب).
قلت: وفي حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفاض من عرفات وهو يقول:
(إليك تغدو قلفا وضينها مخالفا دين النصارى دينها) رواه الطبراني وقال: المشهور في الرواية أنه من فعل ابن عمر أي: لا مرفوعا، والله تعالى أعلم (1).
ثم جعل يسير العنق وهو ضرب من السير ليس بالسريع ولا البطئ، فإذا وجد فجوة - وهو المتسع - نص سيره أي رفعه فوق ذلك وكلما أتى ربوة من تلك الربى أرخى للناقة - وهي العضباء - زمامها قليلا حتى تصعد، وكان يلبي في مسيره ذلك لا يقطع التلبية، فلما كان في أثناء الطريق مال إلى الشعب وهو شعب الأذاخر عن يسار الطريق بين المأزمين - نزل - صلى الله عليه وسلم - فبال وتوضأ خفيفا، فقال أسامة: الصلاة يا رسول الله: فقال: (الصلاة أمامك)، ثم سار حتى أتى المزدلفة.
قلت: نزل قريبا من النار التي على قزح فتوضأ وضوء الصلاة، ثم أمر بالأذان فأذن المؤذن، ثم أقام الصلاة فصلى المغرب قبل حط الرحال، وتبريك الجمال، فلما حطوا رحالهم أمر فأقيمت الصلاة، ثم صلى العشاء الآخرة بإقامة بلا أذان، ولم يصل بينهما شيئا ثم نام حتى أصبح ولم يحيي تلك الليلة، وأذن في تلك الليلة، قلت عند السحر لمن استأذنه من أهل الضعف من الذرية والنساء، ومنهن سودة وأم حبيبة أن يتقدموا إلى منى قبل حطمة الناس،