وذلك طلوع الفجر، وكان ذلك عن غيبوبة القمر.
وأمرهم ألا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس، ورمى من النساء أسماء بنت أبي بكر، وأم سلمة قبل الفجر. قال في البداية فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر الغلمان بأن لا يرموا قبل طلوع الفجر، وأذن للظعن في الرمي قبل طلوع الشمس لأنهن أثقل حالا، وأبلغ في الستر.
وفي حديث ابن عباس -: قدمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أغيلمة بني عبد المطلب على نساء محمد يلطح أفخاذنا ويقول: (أبني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس) (1) رواه أحمد.
وجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببقية نسائه حتى يدفعن معه حين يصبح.
فلما برق الفجر، صلاها في أول الوقت خلافا لمن زعم أنه صلاها قبل الوقت بأذان وإقامة، يوم النحر، وهو يوم العيد، وهو يوم الحج الأكبر، وهو يوم الأذان ببراءة الله ورسوله من كل مشرك، ثم ركب القصواء حتى أتى موقفه عند المشعر الحرام فوقف على قزح وقال: (كل المزدلفة موقفنا إلا بطن محسر)، فاستقبل القبلة، وأخذ في الدعاء والتضرع والتهليل، والتكبير، والذكر، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا، وذلك قبل طلوع الشمس.
قلت: وكان أهل الجاهلية لا يدفعون حتى تطلع الشمس على ثبير، ويقولون: أشرق ثبير كيما نغير. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن قريشا خالفت هدي إبراهيم، فدفع طلوع الشمس.
وهنالك سأله عروة بن مضرس بن الطائي، فقال: يا رسول الله: إني جئت من جبل طيئ أكللت راحلتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (من شهد صلاتنا هذه، فوقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا، فقد أتم حجه وقضى تفثه) (2).
ثم سار بمزدلفة مردفا للفضل بن عباس، وهو يلبي في مسيره، وانطلق أسامة بن زيد على رجليه في سباق قريش، وفي طريقه ذلك، أمر الفضل بن عباس أن يلقط له حصى الجمار سبع حصيات، ولم يكسرها من الجبل، تلك الليلة كما يفعل من لا علم عنده ولا التقطها بالليل، فالتقط له سبع حصيات من حصى الخذف فجعل ينفضهن في كفه ويقول: (أمثال هؤلاء، فارموا، وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)، وفي طريقه تلك عرضت له امرأة من خثعم جميلة، فسألته عن الحج عن أبيها. وكان شيخا كبيرا