الباب الثالث في سياق حجة الوداع أفردها بالتصنيف الحافظ أبو بكر محمد بن المنذر، وأبو جعفر أحمد بن عبد الله المحب الطبري، وأبو الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي الشافعيون، وأبو محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري، وبسط الكلام عليها أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الشهير بابن القيم الحنبلي في (زاد المعاد)، والحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير الشافعي في كتاب السيرة في تاريخه المسمى (بالبداية والنهاية)، وهو أوسع من الذي قبله، كل منهم ذكر أشياء لم يذكرها الآخر، وظفرت بأشياء لم يذكروها، ورأيت سياق ابن القيم أحسنهم سياقا، فاعتمدته وجردته من الأدلة غالبا، ومن الأبحاث الطويلة، وأدخلت فيه ما أجمل به مميزا له غالبا بقولي: (قلت) في أوله، (والله أعلم) في آخره، وإذا أتيت بضمير تثنية لا مرجع له كقالا، أو رجحا أو جزما، فمرادي: ابنا كثير، والقيم، وضمير مفرد مذكر لا مرجع له فمرادي: ابن القيم، أو أبا محمد فمرادي: ابن حزم، والله سبحانه وتعالى أعلم، وأسأله التوفيق للصواب، وحسن المرجع، والمآب، وهو حسبي ونعم الوكيل، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ذكر إعلامه - صلى الله عليه وسلم - بأنه حاج في هذه السنة:
قلت: قال ابن سعد: قالوا: أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة عشر سنين يضحي كل عام، ولا يلحق، ولا يقصر ويغزو المغازي، ولا يحج حتى كان في ذي القعدة سنة عشر أجمع الخروج إلى الحج والله تعالى أعلم، ولما عزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الحج أذن في الناس أنه حاج في هذه السنة فسمع بذلك من حول المدينة، فلم يبق أحد يريد وفي لفظ:
يقدر أن يأتي راكبا، أو راجلا إلا قدم، فقدم المدينة بشر كثير، ووافاه في الطريق خلائق لا يحصون، وكانوا من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، مد البصر، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعمل مثل عمله، وأصاب الناس جدري، أو حصبة، منعت من شاء الله أن تمنع من الحج، قال أبو محمد: فأعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن عمرة في رمضان، تعدل حجة معه. وصوبا أن هذا الإعلام كان بعد رجوعه - صلى الله عليه وسلم - وهو كما قال.
ذكر خروجه - صلى الله عليه وسلم - من المدينة الشريفة:
قلت: استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أراد الخروج على المدينة أبا دجانة سماك بن خرشة الساعدي ويقال: بل سباع بن عرفطة ذكره ابن هشام والله تعالى أعلم.