الباب الرابع في تنبيهات وفوائد تتعلق بحجة الوداع الأول: (لم يصح أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل البيت في حجة الوداع).
الثاني: أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى صبيحة ليلة الوداع بمكة. لما رواه الشيخان، عن أم سلمة، قالت: شكوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني اشتكي، فقال: (إذا أقمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك، والناس يصلون) ففعلت ذلك، فلم تصل حتى خرجت، وفي رواية: (فطوفي من وراء الناس، وأنت راكبة)، قالت: فطفت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي إلى جنب البيت، وهو يقرأ (والطور وكتاب مسطور).
قال ابن القيم: وهذا محال قطعا أن يكون يوم النحر، فهو طواف الوداع بلا شك، فظهر أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى الصبح يومئذ عند البيت وسمعته أم سلمة يقرأ بالطور فيها.
الثالث: صح أنه - صلى الله عليه وسلم - وقف بالملتزم في غزوة الفتح، كما رواه أبو داود، عن عبد الرحمن بن أبي صفوان، روى أبو داود أيضا، عن ابن عباس: أنه قام بين الركن والباب، فوضع صدره وجبهته وذراعيه، وكفيه هكذا وبسطهما بسطا، وقال: هكذا إذ رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعله، فهذا يحتمل أن يكون وقت الوداع، وأن يكون غيره.
فصل: في ترجيح قول من رأى أنه - صلى الله عليه وسلم - كان قارنا:
وذلك من وجوه، كما قال في زاد الميعاد.
الأول: أنهم أكثر.
الثاني: أن طريق الاخبار بذلك تنوعت.
الثالث: أن فيهم من أخبر عن سماعه لفظه - صلى الله عليه وسلم - صريحا، وفيهم من أخبر عن نفسه بأنه فعل ذلك، ومنهم من أخبر عن أمر ربه بذلك، ولم يجئ شئ من ذلك في الإفراد.
الرابع: تصديق روايات من روى أنه اعتمر أربع، وأوضح ذلك ابن كثير بأنهم اتفقوا على أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتمر عام حجة الوداع، فلم يتحلل بين النسكين، ولا أنشأ إحراما آخر للحج، ولا اعتمر بعد الحج فلزم القران، قال: وهذا مما يفسر الجواب عنه انتهى.
الخامس: أنها صريحة لا تحتمل التأويل بخلاف روايات الإفراد، كما سيأتي.
السادس: أنها متضمنة زيادة سكت عنها من روى الإفراد، أو نفاها، والذاكر والزائد مقدم على الساكت، والمثبت مقدم على النافي.
السابع: روى الإفراد أربعة: عائشة، وابن عمر، وجابر، وابن عباس، وغيرهم رووا