وتولية معاوية منصب الكتابة بين يديه صلوات الله وسلامه عليه.
وهذا قدر متفق عليه بين الناس قاطبة.
فأما الحديث الذي قال الحافظ ابن عساكر في تاريخه في ترجمة معاوية هاهنا: أخبرنا أبو غالب بن البنا، أنبأنا أبو محمد الجوهري، أنبأنا أبو على محمد بن أحمد بن يحيى بن عبد الله العطشى، حدثنا أحمد بن محمد البوراني، حدثنا السرى بن عاصم، حدثنا الحسن ابن زياد، عن القاسم بن بهرام، عن أبي الزبير، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار جبريل في استكتاب معاوية فقال: استكتبه فإنه أمين.
فإنه حديث غريب بل منكر. والسري بن عاصم هذا هو أبو عاصم الهمذاني وكان يؤدب المعتز بالله، كذبه في الحديث ابن خراش.
وقال ابن حبان وابن عدي: كان يسرق الحديث. زاد ابن حبان: ويرفع الموقوفات لا يحل الاحتجاج به. وقال الدارقطني: كان ضعيف الحديث.
وشيخه الحسن بن زياد: إن كان اللؤلؤي فقد تركه غير واحد من الأئمة، وصرح كثير منهم بكذبه، وإن كان غيره فهو مجهول العين والحال.
وأما القاسم بن بهرام فاثنان; أحدهما يقال له القاسم بن بهرام الأسدي الواسطي الأعرج، أصله من أصبهان، روى له النسائي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس حديث القنوت بطوله، وقد وثقه ابن معين وأبو حاتم وأبو داود وابن حبان. والثاني القاسم ابن بهرام أبو همدان قاضي هيت. قال ابن معين: كان كذابا.
وبالجملة فهذا الحديث من هذا الوجه ليس بثابت ولا يغتر به.
والعجب من الحافظ ابن عساكر مع جلالة قدره واطلاعه على صناعة الحديث أكثر من غيره من أبناء عصره - بل ومن تقدمه بدهر - كيف يورد في تاريخه هذا وأحاديث كثيرة من هذا النمط ثم لا يبين حالها، ولا يشير إلى شئ من ذلك إشارة لا ظاهرة ولا