وهذا ذكاء مفرط جدا. وقد كان ممن جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من القراء كما ثبت في الصحيحين عن أنس.
وروى أحمد والنسائي من حديث أبي قلابة، عن أنس عن رسول الله أنه قال:
" أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأقضاهم علي بن أبي طالب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأعلمهم بالفرائض زيد بن ثابت، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ".
ومن الحفاظ من يجعله مرسلا إلا ما يتعلق بأبي عبيدة، ففي صحيح البخاري من هذا الوجه.
وقد كتب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير ما موطن.
ومن أوضح ذلك ما ثبت في الصحيح عنه أنه قال: لما نزل قوله تعالى " لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله (1) " الآية دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اكتب لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله ".
فجاء ابن أم مكتوم فجعل يشكو ضرارته، فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فثقلت فخذه على فخذي حتى كادت ترضها، فنزل: " غير أولى الضرر " فأمرني فألحقتها، فقال زيد: فأنى لأعرف [موضع (2)] ملحقها عند صدع في ذلك اللوح - يعنى من عظام - الحديث.
وقد شهد زيد اليمامة وأصابه سهم فلم يضره، وهو الذي أمره الصديق بعد هذا بأن يتتبع القرآن فيجمعه، وقال له: إنك شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه. ففعل ما أمره به الصديق، فكان في ذلك خير كثير ولله الحمد والمنة.