فلما تكلمت أنسيت جمالها من فصاحتها. فقال: يا محمد إن رأيت أن تخلى عنا ولا تشمت بنا أحياء العرب فإني ابنة سيد قومي، وإن أبى كان يحمى الذمار ويفك العاني ويشبع الجائع ويكسو العاري ويقري الضيف ويطعم الطعام ويفشي السلام، ولم يرد طالب حاجة قط، أنا ابنة حاتم طيئ.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جارية هذه صفة المؤمنين حقا، لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه، خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق والله يحب مكارم الأخلاق.
فقام أبو بردة بن نيار فقال: يا رسول الله تحب مكارم الأخلاق؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لا يدخل أحد الجنة إلا بحسن الخلق (1) ".
هذا حديث حسن المتن غريب الاسناد جدا عزيز المخرج.
وقد ذكرنا ترجمة حاتم طيئ أيام الجاهلية عند ذكرنا (2) من مات من أعيان المشهورين فيها، وما كان يسديه حاتم إلى الناس من المكارم والاحسان، إلا أن نفع ذلك في الآخرة معذوق (3) بالايمان، وهو ممن لم يقل يوما من الدهر: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين.
وقد زعم الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث علي بن أبي طالب في ربيع الآخر من سنة تسع إلى بلاد طيئ فجاء معه بسبايا فيهم أخت عدى بن حاتم، وجاء معه بسيفين كانا في بيت الصنم يقال لأحدهما الرسوب والآخر المخذم، كان الحارث بن أبي شمر (4) قد نذرهما لذلك الصنم.
قال البخاري رحمه الله: