فاستدرك به صلى الله عليه وآله ما كاد يفوت من صواب التدبير بتهجم سعد واقدامه على أهل مكة، وعلم أن الأنصار لا توافق على عزل سيدها وأخذ الراية منه إلا بمثل علي عليه السلام، ولان حاله في ذلك كما لو أخذها النبي صلى الله عليه وآله في جلالة قدره ورفع مكانه، وهذا عزل خير من ولاية، فان من كان بحيث لا يقوم مقامه ولا يسد مسده إلا علي عليه السلام فله أن يطاول الأفلاك، ويفاخر الأملاك، ولو كان في الصحابة من يوافق الأنصار على عزل صاحبها به لاختاره لذلك، وندبه إليه، ولكنه أبو الحسن القائم مقام نفسه، والمشارك له في نوعه وجنسه صلى الله عليهما وآلهما الطاهرين.
وكان عهد رسول الله صلى الله عليه وآله أن لا يقاتلوا بمكة إلا من قاتلهم سوى نفر كانوا يؤذونه فقتل أمير المؤمنين عليه السلام منهم الحويرث بن نفيل بن كعب وكان يؤذى رسول الله (ص) بمكة وبلغه عليه السلام أن أخته أم هاني قد آوت ناسا من بنى مخزوم فيهم الحرث بن هشام وقيس بن السائب، فقصد عليه السلام دارها وهو مقنع بالحديد، فنادى: أخرجوا من آويتم فخرجت إليه أم هاني وهي لا تعرفه، فقالت: يا عبد الله أنا أم هاني بنت عم رسول الله صلى الله عليه وآله، وأخت علي بن أبي طالب انصرف عن دارى، فقال:
أخرجوهم فقالت: والله لأشكونك إلى رسول الله، فرفع المغفر عن رأسه فعرفته فجاءت تشتد حتى التزمته وقالت: فديتك حلفت لأشكونك إلى رسول الله، فقال: اذهبي فبري قسمك فإنه بأعلى الوادي، قالت: فجئت إلى النبي (ص) وهو في قبة يغتسل، وفاطمة تستره فلما سمع رسول الله (ص) كلامي قال: مرحبا بك يا أم هاني وأهلا، قلت: بأبي أنت وأمي أشكو إليك ما لقيت من علي اليوم، فقال رسول الله (ص): قد أجرت من أجارت، فقالت فاطمة: إنما جئت يا أم هاني تشكين عليا فإنه أخاف أعداء الله وأعداء