ثم بعد أن قتل عمرو أرسل الله على قريش الريح وعلى غطفان، واضطربوا واختلفوا هم واليهود فولوا راجعين، فردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا، فكان هذا الفتح بإقدام علي عليه السلام وثباته وقتل هذا الطاغية وابنه بمنازلته وثباته حتى ولى الجمع الكثيف المتزاحم، وانجلى ذاك القتام المتراكم وتفرق المشركون عباديد بعد الالتئام متبددين بعد الانتظام، وإذا أردت أن تعرف مكان منازلة علي لعمرو ومحل عمرو من النجدة والبسالة، فانظر إلى منع النبي صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام من مبارزته حتى أذن له في الثالثة وحسن طاعة علي وسكوته مرة بعد مرة، مع شدة حرصه على الجهاد ومعرفته بما أعده الله فيه من الاجر وميله إلى الذب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وقوة باعثه على الشجاعة التي ينطوي عليها وفي بعض هذه الدواعي ما تحف له حصاة الحليم، وتدخل به الشبهة على الحكيم، ولكنه صلى الله عليه وآله الجبل الراسخ، والطود الشامخ، الذي لا تزعزعه العواصف، ولا تقلقله الرواجف وهو واقف عند أمر رسول الله صلى الله عليه وآله عنه يصدر وعنه يرد، وبه يأخذ وعليه يعتمد.
ثم لما ذهب أبو سفيان بقريش خابيا ورجع إلى وجاره بجمعه هاربا، قصد رسول الله (ص) بني قريظة لموافقتهم الأحزاب، ومظاهرتهم قريش وأولئك الأوشاب، وسلم رايته إلى علي عليه السلام وتبعه الناس وجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وفتح الله حصونهم، وأزال مصونهم وأباح أبكارهم وعونهم، وأنزلهم الله كما قص من صياصيهم ومكنه من دانيهم وقاصيهم، وقذف الرعب في قلوبهم مطيعهم وعاصيهم، وعمهم القتل والأسئار، واستولى عليهم في الدنيا القتل والأسر، ولهم في الأخرى النار، وأورث الله المؤمنين أرضهم وديارهم وأطفأ نور الاسلام نارهم، وأقرهم على الجزية وسلب قرارهم، قال المفيد رحمه الله: