أبى سفيان لعلمهم بعداوته للنبي صلى الله عليه وآله وتسرعه إلى قتاله، فذكروا له ما نالهم منه وسألوه المعونة على قتاله، فقال: أنا لكم حيث تحبون، فاخرجوا إلى قريش فادعوهم إلى حربه واضمنوا لهم النصرة و والثبوت معهم حتى تستأصلوه فطافوا على وجوه قريش ودعوهم إلى حرب النبي صلى الله عليه وآله، فقالوا: أيدينا مع أيديكم ونحن معكم، حتى نستأصله فقالت قريش: يا معشر اليهود: أنتم أهل الكتاب الأول، والعلم السابق، وقد عرفتم ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وما نحن عليه من الدين فديننا خير أم دينه؟ فقالوا: بل دينكم وأنتم أولى بالحق منه، فنشطت قريش إلى حربه صلى الله عليه وآله، وقال لهم أبو سفيان: قد مكنكم الله من عدوكم واليهود تقاتله معكم، ولا تفارقكم حتى تستأصلوه ومن أتبعه، فقويت نفوسهم وعزائمهم على الحرب ثم جاء اليهود غطفان وقيس غيلان فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وآله، وضمنوا لهم النصرة والمعونة، وأخبروهم بموافقة قريش لهم على ذلك، واجتمعوا وخرجت قريش وقائدها أبو سفيان، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن في بنى فزارة والحارث بن عوف في بنى مرة ووبرة بن طريف في قومه من أشجع.
فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وآله باجتماع الأحزاب على قصد المدينة استشار أصحابه فاجمعوا على المقام بالمدينة وحربهم على أنقابها وأشار سلمان الفارسي بحفر الخندق فحفره وعمل فيه بنفسه، وعمل المسلمون وأقبلت الأحزاب بجموعهم، فهالت المسلمين وارتاعوا من كثرتهم، ونزلوا ناحية من الخندق وأقاموا مكانهم بضعا وعشرين ليلة، ولم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل والحصاة.
فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ضعف قلوب أكثر المسلمين من حصارهم ووهنهم في حربهم بعث إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف قائدي غطفان