بلغني أن فلانا قال: والله لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلانا، فلا يغرن امرأ أن يقول: إن بيعة أبى بكر كانت فلتة فتمت، وإنها قد كانت كذلك إلا أن الله قد وقى شرها، وليس فيكم من تنقطع الأعناق إليه مثل أبى بكر، فمن بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين، فإنه لا بيعة له هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا. إنه كان من خبرنا حين توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم، أن الأنصار خالفونا، فاجتمعوا بأشرافهم في سقيفة بنى ساعدة، وتخلف عنا علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ومن معهما، واجتمع المهاجرون إلى أبى بكر، فقلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا منهم رجلان صالحان، فذكرا لنا ما تمالا عليه القوم، وقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ قلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، قالا: فلا عليكم أن لا تقربوهم يا معشر المهاجرين، اقضوا أمركم، قال: قلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بنى ساعدة، فإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل، فقلت: من هذا؟ فقالوا سعد بن عبادة، فقلت: ماله؟ فقالوا: وجع، فلما جلسنا تشهد خطيبهم، فأثنى على الله بما هو له أهل، ثم قال: أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الاسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا، وقد دفت دافة من قومكم، وإذا هم يريدون أن يحتازونا من أصلنا، ويغصبونا الامر، فلما سكت أردت أن أتكلم، وقد زورت في نفسي مقالة قد أعجبتني، أريد أن أقدمها بين يدي أبى بكر، وكنت أداري منه بعض الحد، فقال أبو بكر: على رسلك يا عمر، فكرهت أن أغضبه فتكلم، وهو كان أعلم منى وأوقر، فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري إلا قالها في بديهته، أو مثلها أو أفضل، حتى سكت، قال: أما ما ذكرتم فيكم من خير، فأنتم له أهل، ولن تعرف العرب هذا الامر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم، وأخذ بيدي وبيد أبى عبيدة بن الجراح، وهو جالس بيننا، ولم
(١٠٧٣)